فمما ذكروه: أن الرجل إذا بلغ المقصد، فلو نوى مقام أربعة أيام، فعليه قضاؤها للمخلَّفات إذا رجع؛ فإنه في إقامته خرج عن حكم المسافرين، وهذا مما أجمع عليه أئمة المذهب، القاضي، والصيدلاني وغيرهما.
ثم إذا ابتدأ الرجوعَ، فهل يلزمه قضاءُ مدة الرجوع؟ فعلى وجهين مشهورين: أحدهما - يلزمه؛ فإنه من وقت الخروج عن حد المسافرين، انقطع حكم السفر المُسقط للقضاء، فتلتحق أيام رجوعه بأيام إقامته.
والوجه الثاني - أنه لا يقضي للمخلفات أيام الرجوع؛ فإنه من وقت ابتداءِ الرجوعِ تركَ ما لابَسَهُ من الإقامة، وعاد إلى حكمِ السفر، وقد اقتضى السفر سقوطَ القضاء، وهو من وقت الرجوع مسافر.
وناصر الوجه الأول يقول: الظاهر يقتضي أن يقضي للمخلَّفات إذا خصص واحدة من الضَرَّات بالصحبة، ولكن القرعة اقتضت جواز التخصيص من غير قضاء، فإذا انقطع حكم القرعة بالإقامة، لم يعد حكمُها، ولا بد من استفتاح قرعة أخرى، ولا سبيل إلى ذلك إلَاّ عند العَوْد، وفرضِ إنشاء سفر، وابتداء إقراع عنده، وهذا بمثابة ما لو اعتدى المودَع وضمن، فإذا ترك العُدوان، لم يعد أميناً؛ إذ (١) جرى الائتمان أولاً مطلقاً.
ثم إن حكمنا بأنه يقضي أيام رجوعه للمخلفات، فلا كلام، وإن حكمنا بأنه لا يقضي؛ فالذي قطع به الأئمة: أن الأيام التي لا يقضيها أولها من وقت خروجه متوجهاً إلى الوطن الذي به المخلّفات.
٨٦٥٧ - وفي بعض التصانيف أنَّ أول الوقت عند (٢) عزمه على الانكفاء (٣) وقصده. وهذا غلط صريح (٤)؛ فإنَّ حكم الإقامة إذا ثبت لا يزول إلا بمزايلة المكان الذي ثبت حكم الإقامة فيه.
(١) في الأصل: إن.
(٢) في الأصل: عن.
(٣) في الأصل: الانكفاف. والانكفاء: هو الرجوع.
(٤) في الأصل: صحيح.