وإن كان يأتي الماءُ الثاني على ما أصابه الماء الأول، فما نُقل عن نص الشافعي في رواية حرملة أنه لا يجب استعمال الماء الثاني؛ فإنا إن (١) جوزنا ألا يستوعب بالماء الثاني ما أتى عليه الماء الأول، فيكون ذلك حملاً للنجاسة قطعاًً.
وإن أوجبنا أن يأتي بالماء الثاني على جميع ما أتى عليه الأول، فيتضمن ذلك نقضَ الاجتهاد الأول، والاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد.
فهذا هو النص وتوجيهه.
وقال ابن سُريج: يستعمل الماء الثاني الذي أدى إليه اجتهادُه، ويجب أن يأتي على جميع ما أتى عليه الماء الأول. ووجه ما قاله: أنه يتّبع في كل طهارة اجتهاده الناجز، وهو بمثابة إلزامنا من التبس عليه جهةُ القبلة أن يجتهد عند دخول وقت كل صلاة، وقد يصلي صلوات باجتهادات إلى جهات.
وأما إيجاب (٢) استيعاب ما أتى عليه الماء الأول فليتوقَّى (٣) يقينَ النجاسة في الصلاة الثانية، التي يقيمها بالماء الثاني.
٣٨٥ - فإن فرعنا على النص، فإذا منعناه من استعمال الماء الثاني فيتيمّم، ويصلي ولا يعيد الصلاة الأولى، وهل يعيد الصلاة الثانية؟ فعلى وجهين ذكرهما العراقيون: أحدهما - لا يعيدها؛ فإنه تيمم وهو ممنوع عن الماء الذي معه، وليس معه ماءٌ مستيقن الطهارة.
والوجه الثاني - يعيد الصلاة الثانية، وكلّ صلاة يصليها بعد ذلك بالتيمم، ما دام اجتهاده الثاني مستقراً؛ فإنه تيمم ومعه ماءٌ يظنه باجتهاده طاهراً.
وإن فرعناه على تخريج ابن سُريج، فلا نوجب قضاء شيءٍ من الصلوات؛ فإن كلّ صلاة مستندة إلى اجتهادٍ مستقلٍّ بنفسه.
وهذا عندي بمثابة ما لو صلى أربع صلوات (٤) بأربع اجتهادات إلى أربع
(١) مزيدة لاستقامة المعنى. وهي في (م)، (ل).
(٢) مزيدة من (ل)، وفي (م): استحباب ما أتى عليه الماء.
(٣) في الأصل: فيتوقى. وهذا تقدير منا صدقته (م)، (ل).
(٤) في الأصل، (م): ركعات