وهذا الاختلاف له التفات إلى تصويب المجتهدَيْن (١). ولا وجه للخوض فيه.
٣٩٠ - ولو وجد شافعي وحنفي نبيذ التمر، فتوضأ به الحنفي، وتيمم الشافعي، واقتدى أحدهما بالثاني، فصلاة المتيمم باطلة عند المتوضىء، وصلاة المتوضىء باطلة عند المتيمم، فهذه الصورة تضاهي اقتداء أحد الرجلين بالثاني، وقد سُمع منهما صوتُ حدث؛ فإن المتيمم يقول: إن كنتُ مصيباً، فأنا مقتدٍ بمن استعمل نجساً، وإن كان إمامي مصيباً، فصلاتي باطلة.
والأصحاب أطلقوا الاختلاف في اقتداء الشافعي بالحنفي، ورأَوْا أن الاجتهاد المتعلق بالمذاهب في فروع الشريعة يخالف الاجتهادَ في الأواني، والإشكالَ في تعيين المحدِث، فإن الاجتهادَ في مذاهب الفقهاء لا يتوقع إفضاؤه إلى اليقين، والإشكالات في الوقائع التي ذكرناها يتوقع إفضاؤها إلى اليقين، وإذا كان ذلك ممكناً، فقد يجرّ مصادفةُ الإشكال بطلان الصلاة.
٣٩١ - وإذا تقارب ثلاثةٌ، فسمع منهم صوتُ حدثٍ، وتناكروا، فإن صلَّوْا أفراداً، جاز في ظاهر الحكم، والله يتولى السرائر. ولو اقتدى واحد بواحد، فالذي رآه ابن الحداد أنه يصح في هذه الصورة اقتداؤه بأحد صاحبيه، فإن الحدث واحدٌ، والمقتدي يفرض نفسه وإمامه متطهرين، ويقدّر الآخر محدثاً، وهذا التقدير ممكن.
وقال صاحب التلخيص: لا يصح اقتداؤه بواحدٍ منهما؛ فإن أمرهما مشكل، والحدث متردد بينهما، فكل واحد منهما في حقه بمثابة الخنثى المشكل، ولا يصح اقتداء الرجل بالخنثى، كما لا يصح الاقتداء بالمرأة (٢).
فهذا إذا اقتدى بأحد صاحبيه. فأما إذا اقتدى بأحدهما في صلاة الصبح، واقتدى بالثاني في صلاة الظهر، فصلاة الإمامين محكوم بصحتها، وأما صلاة المقتدي، فصحيحةٌ خلف إمام الصبح، وظهره فاسدٌ خلف الإمام الثاني؛ فإنا وجدنا لتصحيح
(١) ر. البرهان في أصول الفقه: ٢/فقرة ١٤٥٥ - ١٤٧٩، والمنخول للإمام الغزالي: ٤٥٣، وأصول الفقه للخضري: ٣٧٤.
(٢) إلى هنا انتهى كلام صاحب التلخيص، وعدنا لكلام ابن الحداد.