فإن (١) قال: أردت بنصف (٢) الطلقتين طلقة، فإن حملنا المطلَق على هذا، فلا شك أنه إذا فسّر به قُبل، وإن لم يحمل المطلق على هذا، فإذا فسّر به، ففيه وجهان. ولهذا الفنّ أمثلة ومسائل مضى بعضها، وسنكمل الأُنس بذكر باقيها.
٩١٤٠ - وبالجملة الألفاظ ومعانيها على مراتبَ عندنا، فمنها: ما لا سبيل فيه إلى الإزالة ظاهراً وباطناًً، وهذا يفرض في جهات مخصوصة، وهو ممثل بأن يقول لامرأته: "أنت طالق"، ثم زعم أنه نوى طلاقاً لا يقع، فهذا مردود ظاهراً وباطناً، وضبطه أنه لو صرح به متصلاً، لرُدّ وأُلغي، فلا يزيد منويُّه على ملفوظه.
والرتبة الثانية - ما لا يُقبل فيه تغيير اللفظ ظاهراً، ويدَيَّن (٣) اللافظ بينه وبين الله تعالى. وهذا كقول القائل: أنت طالق، مع إضماره التطليق عن الوثاق، وقد ضبطنا قاعدة التديين بما فيه أكملُ مَقْنع، وهذه المرتبة تضبط بأن يضم اللافظ ما لا يعتاد إرادته باللفظ مع اختلاف الأحوال، ثم ينقسم مسلك المذهب: فمن الأصحاب من يضبطه بما يمكن النطق به، ومنهم من يضبطه بذلك ويشترط معه إشعار اللفظ به في وضعه على بُعدٍ كالتطليق عن الوثاق.
والمرتبة الثالثة ظهور اللفظ في غرضٍ مع صرفه بتأويلٍ آخر إلى وجهٍ آخر، والصرفُ إلى ذلك الوجه قد يجري في مجاري الكلام، ولا يبعد بُعْدَ ما ذكرناه في المرتبة الثانية.
وهذا ينقسم ثلاثة أقسام: قد يظهر التأويل حتى يكاد يكون (٤) اللفظ في حكم المتردّد بين معنيين، فيظهر في هذا المقام ألا نحكم بالوقوع بحكم اللفظ.
وقد يخفى التأويل -وإن كان يفرض جريانه- فيغلب أن مطلِق اللفظ لا يُطلِق اللفظَ إلا على مقتضى ظهور؛ فإن أراد غيره صُرِف بالنية، فما كان كذلك يضطرب الرأي في حكم إطلاقه.
(١) في الأصل: بأن.
(٢) في الأصل: تنصيف الطلقتين.
(٣) في الأصل: يبيّن.
(٤) زيادة من المحقق.