والوجه الثالث - أن الاستثناء الأول يلغو، ويرفع من البين، فيقدّر كأنه لم يكن، فيبقى الاستثناء الثاني، والطلقات الثلاث، فكأنه قال: أنت طالق ثلاثاًً إلا ثنتين، ولو قال ذلك، لم يقع إلا طلقة واحدة.
وهذا على نهاية الضعف، ولولا اشتهاره وتوّلع الأصحاب بحكايته (١)، لما ضمَّنته هذا المجموع، فإنه خارج عن صيغة اللفظ، وعن حكم القصد والمراد، وليس في المصير إليه استمساكٌ بمقتضى فقهيّ.
ولو قال: أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة وواحدة وواحدة، وقع الثلاث إجماعاً؛ لأنا إن جمعنا، لم نخصص بالجمع جانباً، وكان التقدير أنت طالق ثلاثاًً إلا ثلاثاًً، وإن فرقنا، لم نخصّص بالتفريق واحداً من الجانبين، فيؤول الكلام إلى استثناء واحدة عن واحدة، فيقع الثلاث على التقديرين جميعاًً.
وكان شيخي أبو محمد يقول: "كل تفريق يؤدي إلى تصحيح الاستثناء، فهو مختلف فيه؛ ميلاً إلى إيقاع الطلاق".
ولا أصل لهذا؛ فإنا نتبع الألفاظ وصِيغَها، فإن عنّ لفقيهٍ تغليبُ وقوع الطلاق، عارضه أن الأصل عدم وقوعه، ومن الأصول الممهدة أنا إذا ترددنا في وقوع الطلاق، قلنا: الأصل عدم الوقوع.
٩١٥٤ - ومما يتعلق بتتمة الفصل أمرٌ فرّعه ابن الحدّاد، وتكلم الأصحاب فيه، وذلك أنه قال: إذا زاد المطلّق على العدد الشرعي في الطلاق، فالاستثناء بعده يتردّد كما نصف ونصوّر. فإذا قال لامرأته: أنت طالق خمساً إلا ثلاثاًً، فقد اختلف أصحابنا في المسألة اختلافاً مشهوراً، فمنهم من قال: يقع الثلاث؛ فإن الخمس التي ذكرها عبارة عن الثلاث، فكأنه قال: أنت طالق ثلاثاًً إلا ثلاثاًً، ولو قال، لوقعت الثلاث؛ لأن الاستثناء مستغرق.
والوجه الثاني - وهو اختيار ابن الحداد أنه يقع ما استبقاه بعد الاستثناء، والخمسُ إذا استثني منها ثلاث، بقيت ثنتان، فتطلق طلقتين، وسرّ هذا الوجه أنه ذكر الخمس
(١) في الأصل: تولع الأصحاب حكايته.