على الفور، فللزوج الرجوع قبل أن تجيب. ولو قال لها: أنت طالق إن شئت، وأراد الرجوع قبل أن تقول: "شئت"، فلا يقبل رجوعه، فإن هذا في ظاهره تعليق، والتعليق لا يقبل الرجوع. كما لو قال: إن أعطيتني ألف درهم، فأنت طالق، ثم قال: رجعتُ عما قلت، فلا أثر لرجُوعه. وإذا اتصل الإعطاء، وقع الطلاق.
فإذا قال: طلقي نفسك إن شئت، والتفريع على أن هذا تفويض، فلا يستدعي جوابَها على الفور (١)، فلو ابتدرت وقالت: طلقت نفسي و (٢) شئت، فلا إشكال، ولو قالت: طلقت نفسي، فقال الزوج: رجعتُ -قبل أن تقول: شئت- فلا أثر لرجوعه؛ فإنه لم يبق إلا التعليق بالمشيئة، وقد ذكرنا أن التعليق لا يقع فيه الرجوع، ولو أراد الزوج أن يرجع قبل أن تقول: طلقت نفسي، نفذ رجوعه؛ فإن تفويض الطلاق يقبل الرجوع قبل أن تجيب (٣)؛ فقد اشتمل كلامه على ما يؤثر الرجوع فيه وعلى ما لا يؤثر الرجوع فيه. فانتظم الأمر في قبول رجوعه مرةً وردِّه
أخرى، كما وصفنا.
٩١٨٢ - ومما ذكره الأئمة في المشيئة أنه لو قال لامرأته: يا طالق إن شاء الله.
قالوا: يقع الطلاق، ويلغو الاستثناء؛ فإن الاستثناء إنما يعمل في الأخبار وصيغ الأفعال، فأما الأسامي، فلا عمل للاستثناء فيها.
وهذا فيه نظر؛ فإن الطالق وإن كان اسماً، فمعناه يعني طلقتك، ولو أراد أن يصرف اللفظ عن اقتضاء الإيقاع، لم يقبل منه أصلاً. وإذا قال: أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله، لم يقع شيء والثلاث تقع تفسيراً لمصدرٍ يُضمِّنه الطلاق، وهو متعلق الاستثناء، فالوجه عندنا صحة الاستثناء، وانتفاء الطلاق. وقد وجدت هذا في مرامز المحققين.
ولو قال: يا طالق أنت طالق ثلاثاًً إن شاء الله، انصرف الاستثناء إلى الثلاث، ووقعت طلقة بقوله: يا طالق، وهذا بيّن.
(١) زيادة اقتضاها السياق، واستقامة الكلام.
(٢) (الواو) زيادة من (صفوة المذهب: جزء ٥ ورقة ١٨ يمين).
(٣) في الأصل: تجيز. والمثبت تقديرٌ منا.