في القسم الأول بتبيين المنوية المعنية عند إطلاق اللفظ، فالمطالبة في ذلك القسم بالتبيين، وفي هذا القسم بالتعيين.
ثم إذا عيّن واحدةً، فالطلاق يقع من وقت التعيين أو يستند إلى وقت التلفظ؟ فعلى وجهين مشهورين: أحدهما - أنه يقع من وقت التعيين.
والثاني - أنه يقع من وقت اللفظ.
توجيه الوجهين: من قال: إنه يقع من وقت اللفظ، احتج بأمورٍ منها أنه جزم الطلاق ونجّزه؛ إذ قال: إحداكما طالق، وليس في لفظه تعليق، فلو أخرنا وقوع الطلاق إلى وقت التعيين، لكان ذلك مخالفاً لمقتضى قوله، وأيضاً؛ فإن التعيين؛ المتأخر ليس بياناً للكلام الأوّل، وليس إنشاءَ طلاق، فإذا كان لا يتأتى منه أن يقول: "عنيت بالطلاق هذه" على معنى الإخبار عما خطر له قبل الطلاق (١)، لم (٢) يكن قوله عنيت هذه طلاقاً، والطلاق لا بعض له، ويستحيل أن يصير التعيين مع اللفظ السابق بمثابة لفظ منتظم؛ فإن اللفظ الواحد أو الجملة الواحدة لا تتقطع، وقد تخلل بين الأول وبين هذا التعيين زمان ينقطع الوصل بمثله، فلا وجه إلا استناد وقوع الطلاق إلى اللفظ.
ومن قال: يقع الطلاق عند التعيين، احتج بأن الزوج يعين أيتهما شاء عن خِيَرةٍ وتشهٍ، ويستحيل وقوع الطلاق مبهماً من غير نزولٍ على محلٍّ مخصوصٍ ويستحيل بقاء الطلاق محوِّماً على محلٍّ إلى النزول عليه، فلا وجه إلا المصير إلى أنه يقع عند التعيين.
٩٢٢٠ - وأهمّ ما يجب الاعتناء به فهْمُ هذا الخلاف وتنزيلُه على حقيقته، ثم ابتداء التفريع وراء ذلك.
ذكر القاضي أن هذه المسألة بينها وبين الكلام في أن القسمة بيعٌ أو إفراز حق مشابهةٌ ومضاهاةٌ في المعنى؛ فإن الشريكين في الدار المشتركة إذا اقتسماها، فوقع
(١) في الأصل: "المسيس" ولعلها سبق قلم من الناسخ، فلا معنى لها في هذا الموضع.
(٢) في الأصل: "ولم".