أن السفر الذي هو ملابسه مما يجوز ترك صوم رمضان به إلى القضاء، فقد صار طوائف من أصحابنا إلى جوازِ ذلك، وتشبيهِ السفر بالمرض، وهو الذي ذكره القاضي، ولم ينقل غيرَه، وطرد ما ذكرناه من أن كل ما يجوز الإفطار به في رمضان يجوز الانتقال به إلى الإطعام.
وهذا فيه إشكال؛ فإن المسافر قادرُ على الصيام، والفطرُ المثبَتُ رخصةٌ في حقه غيرُ منوطة بالعجز، والفطرُ بالمرض منوطٌ بالحاجة الحاقة، فلا يقع الاكتفاء باسم المرض، واسمُ السفر الطويل كافٍ -إذا لم يكن سفرَ معصية- في الترخّص بالرخص.
والانتقالُ إلى الإطعام منوط بعدم الاستطاعة في نص القرآن، فلا وجه لهذا.
والذي يدور في الخلد أن المرض الذي أطلقه الأصحاب ليس على ما أطلقوه؛ فإن الإنسان قد يطرأ عليه عارض يعلم أنه لا يدوم يوماً أو يومين، فيجوز الإفطار بمثله، ولا يجوز عندي الانتقال بمثله إلى الإطعام، ولو كان المرض بحيث يتوقع دوامه واستمراره لشهرين، فهذا هو الذي يجوز الانتقال بسببه، ثم الظنُّ يكتفى به.
ولو أطعم، ثم اتفق زوال المرض، وتعجّل الشفاء على القرب، فالإطعام مجزىء والقضاء به غير ممتنع، وهذا لا بد منه.
٩٦٠٩ - ومما يتعلق بهذا أن الصيدلاني رحمه الله نقل عن الشيخ القفال أنه قال: قال بعض أصحابنا: الشبق المفرط والغُلْمة الهائجة عذرٌ في الانتقال إلى الإطعام،
وكان يستشهد بحديث الأعرابي: إذ قال في القصة المشهورة وهل أُتيت إلا من جهة الصوم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أطعم".
سبَّبَ (١) الأعرابي بما ذكرناه، فقدّره رسول الله صلى الله عليه وسلم عذراً، ونقله إلى الإطعام (٢).
(١) في الأصل: شببه. والمثبت من (ت ٢).
والمعنى جعل الأعرابيُّ الشبقَ والغُلمةَ سبباً في الاعتذار عن إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له: "صم شهرين" فعد ذلك صلى الله عليه وسلم عذراً، ونقله إلى الإطعام.
(٢) مضى تخريج هذا الحديث في كتاب الصيام.