وهذا القائل يحتج بأن الزوج يُثبت بلعانه عليهن (١) حقاً، هذا صيغةُ لعانه، ثم يندفع عنه حد القذف تبعاً، واليمين (٢) إذا كانت تُثبت حقاً، فلا يمتنع أن تُثبت حقوقاً كالبينة، فإنها قد تشهد على جمعٍ من الناس لشخص واحد.
وحقيقة هذا الخلاف يعود إلى أنا في أحد الوجهين ننظر إلى طلبهن الحدَّ، ونقدر الزوج مطلوباً من جهاتهن، فعلى هذا لا بد من تعدد اللعان، وعلى الوجه الثاني نقدر الزوج مُثبتاً عليهن الزنا، فعلى هذا لا يمتنع اتحاد اللعان كالبينة تشهدُ على حقوقٍ مختلفاتٍ على خصوم.
فإن حكمنا بأن اللعان يتحد، فإذا اجتمعن الْتعن عنهن لعاناً واحداً، وإن لم يطلبن، وأراد الزوج أن يلتعن، وفرّعنا على أن اللعان يجري من غير طلب من جهتهن، فيكفيه أن يذكر جميعَهن في لعان واحد.
فإن قلنا: لا يجري اللعانُ من غير طلب، فلو لاعن مع طالبةٍ، وأراد ذكر اللواتي تخلَّفن عن الطلب، لم يكن له ذلك، فإذا جاءت أخرى، فلا بد من التعان جديد معها، وهذا بمثابة ما لو الْتعن، فذكر واحدة، واقتصر على ذكرها، فإذا أراد أن يلْتعن مع أخرى، فلا بد من لعانٍ جديد.
هذا كله تفريع على اتحاد اللعان عند فرض اجتماعهن وطلبهن.
ْفأما إذا حكمنا بتعدد اللعان، فلو اجتمعن ورضين بلعانٍ واحد، فالقول في رضاهن باتحاد اللعان -والتفريعُ على تعدده- كالقول بأن اللعان يتعدد تفريعاً على تعدد الحد، وقد ذكرنا هذا في صدر الفصل.
٩٧١٦ - ومما نذكره متصلاً بهذا أنهن إذا ازدحمن وتشاحَحْن، وطلبت كل واحدة منهن البداية، فيقرع بينهن قال الشافعي: " لو بدأ القاضي بواحدة منهن من غير قرعة رجوت ألا يأثم " (٣) فاختلف أصحابنا: فمنهم من جعل هذا ترديد قولٍ، ثم هذا
(١) أي يثبت عليهن الزنا الذي رماهن به، واستحقاقهن عقوبة ذلك، حدّاً أو تعزيراً، ولا يتعرض لسقوط الحد عنه، ولكنه يسقط تبعاً. هذا معنى العبارة.
(٢) في الأصل: والبينة.
(٣) ر. المختصر: ٤/ ١٧٩.