يؤثِّر عندنا في ذلك المقصود؛ فإن الأم إذا أرضعت وانصرفت، فلم يطل الزمان فاستعبر الصبي أو نابه ما يقتضي تسكينَه، فلو عادت إليه وأرضعته، فهذا يعد رضعة ثانية، وإن كانت لو أدامت الإكباب على الإرضاع، لكان لا يبعد تخلل مثل هذا الزمان مع العود إلى الرضعة الأولى، وهذا لا ينكره من يهتم (١) بدرك المعارف (٢).
ويتخلل في الأكلة من الزمان ما لا يعتد به، فلو قام الرجل مضرباً، ثم عاد لأمرٍ اقتضى العَوْدَ وافتتح الأكل، عُدّ أكْلة واحدة، فالرجوع إذاً إلى المعارف؛ فإن بانت في الاتحاد والتعدد، جرى الحكم بحسبها.
وإن تردد الرأي بين اتحاد الرضعة وتعددها، تردُّدَ إشكال، لا تردُّدَ اجتهاد، فالأصل الاتحاد، وعدم وقوع الحرمة المنوطة بالعدد، وإن تقابل اجتهادان في اقتضاء الاتحاد والتعدد، ثار الخلاف، وهذا جارٍ في كل ما يتلقى من العرف.
١٠٠٠١ - وقد قال العراقيون حكايةً: من أصحابنا من قال: إن الرضاع إنما ينقطع ويتعدد بإضراب الصبي، فلو لم يُضرب وقامت المرأة، ثم عادت وتكرر ذلك مراراً، فالكل رضعة.
وهذا قول سخيف؛ فإن مأخذ الكلام في التعدد والاتحاد الاسمُ، وهو متلقى من العرف، فإذا قامت المرأة، وتخلل زمانٌ قاطع، ثم عادت، عُدّ ذلك رضعتين، فلا معنى للنظر إلى إضراب الصبي، والذي ذكروه على بعده (٣) إذا دام تشوُّف الصبي إلى الرضاع في الزمان المتقطع، فأما إذا انقطع تشوفه، فهذا ملتحق بإضرابه. والأصلُ على الجملة فاسد.
١٠٠٠٢ - ومما يتصل بالعدد في الرضاع ما نصفه، فنقول: تعدد الارتضاع من الثدي على ما وصفناه، وأما إذا احتُلب اللبنُ من الثدي، فتناوله الصبي من الظَّرف، فتفصيل ذلك أنه لو احتلب منها بدُفعة ووصل المحتلَب إلى جوف الصبي بدُفعة، فذلك
(١) في الأصل: من يتهم.
(٢) المعارف: المراد هنا الأعراف، جمع عُرف.
(٣) في الأصل: على بعد منه.