وقد يعترض في ذلك أن اللبن إذا مُخض ومُيّز الزُّبد منه، فالباقي مَخيض، فلو أمكن مثل ذلك في لبن الآدميات، فكل جزء يصل إلى الباطن تتعلق الحرمة به.
هذا قولنا في التغايير التي تلحق اللبن.
١٠٠١١ - فأما إذا خلط اللبن بغيره، فنذكر التفصيل في خلطه بالماء، ثم نبيّن خلطَه بغيره، فإن خُلطَ بالماء، لم يَخْلُ: إما أن يكون الماء قليلاً، أو يكون بالغاً حد الكثرة.
فإن كان في حدّ القِلة، واختلط اللبن به، لم يخلُ: إما أن يكون اللبن غالباًً، أو مغلوباً.
فإن كان غالباً، فما وصل منه إلى الجوف المعتبر، فهو مثبت للحرمة.
وإن كان مغلوباً -وتصوُّرُ ذلك منه إذا كان لا يظهر من صفات اللبن شيء لا اللون، ولا الطّعم ولا الرائحة- فهل تتعلق حرمة الرضاع بإيصاله إلى الجوف؟ فعلى قولين: أظهرهما - أن الحرمة تتعلق به. والقول الثاني - أن الحرمة لا تتعلق به، وهو مذهب أبي حنيفة (١).
توجيه القولين: من قال: تتعلق الحرمة به احتج بأن اللبن في حكم المستهلَك، فكأنْ لا لبن، والدليل عليه أن التوضُّؤ بهذا الماء جائز، وإن امتنع التوضؤ باللبن. والقول الثاني - أن الحرمة تتعلق به؛ فإن اللبن واصلٌ إلى الجوف، وهو المطلوب، وإذا تحقق وصوله، وجب تعلق الحرمة به.
ويقرب مأخذ القولين من أصلٍ ذكرناه في أحكام المياه، وهو أن المقدار الذي (٢) لا يسعْ وضوءاً من الماء إذا كمل بالماوَرْد وهو مغلوب بالماء، ففي جواز التوضؤ به خلاف.
ووجهُ التقريب لائح، فإنا في وجهٍ نقول: المغلوب كالمعدوم، وفي وجه نُثبت
(١) ر. مختصر الطحاوي: ٢٢٢، فتح القدير: ٣/ ٣١٥.
(٢) زيادة من المحقق.