وإن لم توجد دعوى الرضاع من الرجل ولا المرأة، ولكن شهدت الأم والبنت على الرضاع المحرم حسبةً، فالوجه عندنا قبول هذه الشهادة؛ فإنها ليست بأن يقال: هي لها أولى من أن يقال: هي عليها، والوجه أن يقال: ليست لها ولا عليها، وإنما هي شهادة أقيمت لله تعالى، فهذا المقدار غرضُنا من هذا الفصل.
١٠٠٦٩ - فأما القول في تحمل الشهادة، فينبغي أن يكون التحمل على علم وبصيرة، فإذا رأت المرأةُ أو الرجلُ الرضيعَ قد التقم الثديَ من ذات لبن، وهو يمتص والصبي ينهش والحنجرة تترقى وتنخفض، وقد ينضم إليه جرجرةٌ عند البلع والتجرع، فهذا القدرُ يفيد العلمَ بوصول اللبن إلى الجوف، ومن ظن أن هذا اكتفاءٌ في التحمل بغلبة الظن، فليس على بصيرة في الباب؛ فإن القرائن التي ذكرناها تُثبت العلم الحقيقي بوصول اللبن، نعم، قد يكتفي الشاهد بالظنون الغالبة فيما لا يتصور فيه العلم، ثم يسوغ له أن يجزم الشهادة، وعلى هذا النحو يتحمل الشاهد الشهادة إذا شاهد اليد والتصرف على ما يقرّر في موضعه، وهذا لا يفيد العلم بالملك، ولكن يجوّز الشهادة على الملك إذا اجتمعت هذه الأسباب.
١٠٠٧٠ - فأما القول في صيغة الشهادة المقامة على الرضاع، فلتكن الشهادة مجزومة، ولو وصف الشاهد أو الشاهدةُ الأحوالَ (١) التي وصفناها عند التحمل، لم تصح الشهادة.
فإن قيل: هلا صحت والشهادةُ لا تعتمد غيرها؟ قلنا: نعم تلك الأحوال تفيد العلم لمن يعاينها، ويدرك بالعيان منها أموراً (٢) دقيقةً هي المفيدة للعلم، والعبارات لا تدركها، فلا بد من جزم الشهادة، كما وصفتُها.
ثم في هذا الطرف تردُّدٌ في أمر أصفه، وهو أنا هل نشترط أن يصرح الشاهد
بوصول اللبن إلى جوف الصبي، أم يكفي أن يقول: أشهد أن فلانة أرضعته خمساً في الحولين؟ هذا مما يتردد فيه فحوى كلام الأئمة ويظهر أثر التردد على تفصيلٍ.
(١) زيادة لا يستقيم الكلام بدونها.
(٢) في الأصل: ويدري العيان منها أموراً. والمثبت من صفوة المذهب.