ثم إن لم نوجب الضمان في مسألة ترك السباحة، فلا كلام، وإن أوجبنا الضمان، فالأظهر أن القصاص لا يجب للشبهة، ومن أصحابنا من أوجب القصاص، وقال: إن كان على ترك السباحة معوّل، فموجبه إسقاط الضمان أصلاً، وإن لم يكن عليه معوّل، فينبغي أن يصير العالم بالسباحة إذا تركها والماء مغرق بمثابة ما لو كان لا يحسن الملقَى السباحة.
ومما يتصل بذلك أنه لو ألقى رجلاً في النار وكان من الممكن أن يتخطأها ويتعدّاها، فلبث حتى أحاط به الوهجُ واللّفحُ، فالذي ذكره الصيدلاني وطوائف من أصحابنا أن القصاص يجب بخلاف ما لو ألقى في الماء سابحاً، والفرق أن الناركما (١) تَلقَى تحرق، فيصير الملقَى فيها مجنياً عليه بأول الملاقاة، وقد يمنعه التألم الذي أصابه باللفح (٢) الأول من اختيار الخروج، بخلاف الإلقاء في الماء.
وذكر القاضي أن الإلقاء في النار بمثابة الإلقاء في الماء مع التمكن من السباحة، وليس يستقيم على المعنى إلا ما ذكره القاضي.
ثم الوجه أن نقول: إن كان اللفح الأول يعجزه عن الخروج، فليست المسألة على ما صورناها، وإنما مسألتنا فيه إذا كان الخروج من النار ممكناً، فإن كان لوقع اللفح الأول أثر (٣)، فذاك يفرد بضمانه، كما ستأتي حكومات الجنايات، إن شاء الله عز وجل.
هذا كله إذا كان الإلقاء في الساحل. وكان (٤) الخروج ممكناً، فمكث حتى هلك.
١٠٢٩٣ - ولو ألقاه في الساحل ولم يكن مغرقاً، أو كان مغرقاً، وكانت السباحة
(١) كما: بمعنى عندما.
(٢) في الأصل: "باللقح".
(٣) عبارة الأصل: "إذا كان الخروج من النار ممكناً إن كان الخروج من النار ممكناً لوقع اللفح الأول أثر".
(٤) في الأصل: "وإن كان".