والوجه الثاني - أنا نوجب ديةً واحدة، ثم نجعل شطرها مخففاً -لجريان الخطأ- على العاقلة، ونوجب شطرها على القاتل في ماله.
ثم ما ذكرناه مصوّرٌ فيه إذا قطع يداً، ثم قتل، مع اختلاف الجنايتين، فأما إذا قطع يدي رجل خطأ، وقتل عمداً أو على العكس، وفرعنا إلى اتحاد الدية مع النظر إلى الخطأ والعمد جميعاً، فالوجه التنصيف لا غير كما قررناه.
ولو قطع يديه ورجليه خطأ، وقتله عمداً أو على العكس، فكيف الوجه في كيفية التبعيض في التخفيفِ والضربِ على العاقلة، والضربِ في مال الجاني؟ القولُ: نُنَصِّفُ ونقضي بالاختلاف تخفيفاً وتغليظاً وضرباً على العاقلة وفي ماله.
١٠٣٢٠ - ولو قطع أصبعاً خطأ، ثم عاد وقتل عمداً فنُجري (١) التنصيف معتبراً، أم نعتبر مقدار الأرش من الطرف؟
وهذا مما يجب الاعتناء به.
فنقول وبالله التوفيق: هذا التفريع خارج على اندراج الطرف تحت النفس، ومعنى اندراجه أنه يصير نفساً، ولكن الشافعي رضي الله عنه اعتبر الخطأَ والعمدَ الواقعين من الأطراف، والسبب فيه أنه جعل اتصال القتل (٢) بالقطع بمثابة سريان الجراح إلى النفس، ولهذا لم يفردها بأروشها، ثم القتل على هذا التقدير كأنه جرح، وكأن ما تقدم من الجراح مع حر الرقبة بمثابة جراحات مؤثرة في إزهاق الروح، ثم إذا اختلفت الجهتان في الجراح خطأً وعمداً، وُزّعت ديةُ النفس على الجهتين، وهذا يقتضي تنصيف الدية عليهما، سواء كثرت الجراح أو قلت، ولا نظر إلى أفراد الأروش، وهذا بمثابة ما لو تعدد الجارح، فلو جرح أحدهما مائة جراحة، وجرح الثاني جراحة واحدة، فالدية إذا سرت الجراح عليهما نصفان.
وإن ظن ظان أن تقسيم الدية يؤخذ من أرش الجراح، فليس على بصيرة من المسألة، فإن النظر إلى أقدار أروش الأطراف مصيرٌ إلى ترك إدراجها، والأطراف إذا
(١) في الأصل: "فيحر".
(٢) في الأصل: "القتيل".