وإنما هي عدول عن جنس الجناية، فإذا كنا نعدل، فضرب الرقبة أولى.
وإن كان الجرح بحيث لا يتعلق القصاص به لو اندمل كالجائفة (١)، فهل نجيف الجاني كما أجاف؟ في المسألة قولان: أحد القولين - نجيفه جرياناً على المماثلة، كما نقتله بالضرب والشدخ. والثاني - لا نفعل ذلك؛ فإن الجوائف لا يُضبط مبالغ الإيذاء فيها، وليست موحيةً، بخلاف الإغراق والإحراق والخنق والضربات التي ترد على الظاهر، فهي (٢) مضبوطة أو قريبة من الضبط.
فلينظر الناظر في الإيحاء أو في ظهور الأسباب، فإن قلنا: لا نجيف الجاني، فلا كلام، وإن قلنا: نجيفه، فالأصح أنا لا نزيد من جنس الجوائف، كما لا نقطع الرجلين بعد قطع اليدين؛ فإن الجوائف مختلفة الأجناس، إذا اختلفت محالها.
وأبعد بعضُ أصحابنا، فخرَّج التمادي على الإجافة على الخلاف، قياساً على الضربات، وقال: إذا جرت المماثلة في الأصل، لم يبعد جريان الخلاف في الزيادة، وهذا يرد عليه قطع الأطراف. فهذا منتهى المراد.
وقد ذكرنا قتلَ الطفل بالضربة والجاني أيّدٌ، وأجرينا فيه ما ينبغي، فلا نعيده.
١٠٤٥٠ - ومن تمام القول في ذلك أن من قطع يديْ رجل، فمات، فقطعنا اليدين من الجاني، فلو قال: أمهلوني مدة بقاء المجني عليه، فلعلي أموت بهذا القطع، وهذا هو المماثلة، لم نُجبه إلى ذلك، وقتلناه بالسيف؛ لأن حق القصاص ناجز، واليد المقطوعة مقصودة بالقصاص، ولو أراد ولي القصاص أن يُمهل الجاني، فقال: ادعوني واقتلوني واعطفوا عني (٣)، لم يكن له ذلك، والأمر إلى مستحق القصاص.
والله أعلم.
وقد أتينا على القتل بالأسباب السارية. وهو أحد قسمي الكلام.
(١) في الأصل: "بالجائفة".
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
(٣) كذا تماماً، والجمل الثلاث معناها واضح. فهو يقول: اطلبوني للقتل، واقتلوني، وميلوا عني، وأريحوني من وجوهكم.