ولو جنى الجاني على الأنف، فاستحشف، وسقط حسُّه، ففيه الخلاف الذي ذكرناه في استحشاف الأذن؛ فإن هذا العضو مستحشفاً وحساساً على حدٍّ قريب في المنفعة.
١٠٦٠٨ - ثم الشمُّ لطيفة مضمونة بالدية الكاملة كالسمع (١) والبصر.
وفي بعض الطرق وجهٌ غريب أن الشم لا يضمن بالدية الكاملة، وعلى مزيله (٢) الحكومة. وهذا القائل يزعم أن الانتفاع بالشم من استنشاق الدماغ للطيب، والتأذي (٣) بالإنتان أكثرُ من التلذذ بالروائح الطيبة (٤)، وهذا خيال لا أصل له، وهو أحد الحواس فلا وجه إلا القطع بمقابلته بالدية الكاملة، وهذا الوجه حكاه صاحب التقريب وغيره من الأئمة.
وفي أنف الأخشم (٥) ما في أنف صاحب الشم، كما ذكرناه في أذن الأصم والسميع.
وإذا ادعى المجني عليه زوالَ الشم، امتُحن بأن يتغفل ونُدني -في غفلاته- من أنفه رائحةً ذكية طيبة أو منتنة، والغالب أنه يتأثر بها انبساطاً واستبشاراً (٦) أو انزواءً (٧) وانقباضاً، ثم نبني على ذلك ما قدمناه من خلافه مع الامتحان.
وإذا ادّعى نقصاناً في الشم، فليس معنا فيه معتبر -كما تقدم في السمع والبصر- فلا حاجة إلا الرجوع إلى المجني عليه، فنقول له: أنت أعرف بمقدار الخلل، فاذكره واحلف، يَغْرَم لك الجاني، وإن لم يذكر لنا مقداراً، وهو المدعي، وهو كمن يرى
(١) في الأصل: "بالسمع".
(٢) في الأصل: "تنزيله".
(٣) في الأصل: "الطيبة ولا يتأذى" والتصويب من كلام الغزالي في البسيط.
(٤) عبر عن هذا الغزالي في البسيط بألفاظ الإمام تقريباً، فقال: "وفي بعض الطرق وجه غريب أنه لا يضمن بكمال الدية، فإن التضرر به لكثرة الإنتان أكبر من التلذذ مع قلة الطيب، وهذا هوس" ا. هـ (السابق ورقة ٦١ يمين).
(٥) المراد بالأخشم هنا من فقد حاسة الشم. (المصباح).
(٦) في الأصل: "واستيثاراً".
(٧) غير مقروءة في الأصل. والمثبت من عبارة الغزالي في البسيط.