قل كذا وكذا، والذي يوضح ذلك أنه إذا استفصل، فقد يُفسد المدعي دعواه بتفصيله، إذا لم يبيّن له وجه الصحة والفساد، ولو لم يستفصل وأطلق المدعي الدعوى، فرَدُّ دعواه مع إمكان صحتها بعيدٌ.
هذا مسلك.
وقال قائلون: إن لم يكن المدعي غبيّاً، (١)، فلا يتعرض القاضي له حتى يتم الدعوى، وإن كان غبيّاً، فله أن يستفصل، فإن غباوته لو ترك، لانتصبت سبباً في إبطال حقه؛ فإنه لا يدري ما تصح به الدعوى، فإذا ردت دعواه مطلقاً، نبا (٢) عن حقه، وأفضى رد الدعوى إلى نِفاره، وإشكال الأمر عليه، من حيث لا يدري محيصاً.
وقال قائلون من أصحابنا: ليس للقاضي أن يستفصل أصلاً. وهذا يخالف النص، فلا يعتد به.
وقال قائلون: إن أشار المدعي إلى جمع فقال: قاتل أبي منهم، فقال له القاضي: من قتله منهم؟ وإن لم يكن كذلك لم يستفصل.
وكل ذلك خبطٌ، والوجه الجريان على النص، والدليل عليه أن صاحب الواقعة لو جاء مستفتياً، وسأل عما تصح به الدعوى، فلا نغادر المعنى بياناً وإن كان ذلك تلقيناً للدعوى، أو تعليماً لتصحيحها، فهذا ما يجب الجريان عليه.
ولكن لا يليق بأدب القضاء أن يعلَّم المدعي (٣) كيفية الدعوى بأن يقول: قل: كذا وكذا، ولا يليق بمصلحة الحال أن يسكت حتى يتخبط، بل يستفصل ليعلَمَ، لا ليعلِّم.
ولو ذكر المدعي أن القتل عمد، فلما استوصفه القاضي العمدَ، ذكر ما لا يكون عمداً، بطل دعواه في العمد، وهل تبطل (٤) دعواه في أصل القتل؟ اختلف أصحابنا
(١) في الأصل: " غافلاً ". والمثبت من (هـ ٢).
(٢) نبا عن حقه: بعد عنه، ولم يصل إليه.
(٣) في الأصل: " القاضي ". والمثبت من (هـ ٢).
(٤) زيادة من (هـ ٢) سقطت في الأصل، ومكانها " فتبطل ".