والمذهب الذي عليه التعويل ما ذكره الشيخ أبو بكر.
ثم نستكمل التفريع على مَا ذكره بعض المصنفين، ونذكر ما يتحصل آخراً.
فإِن قلنا: إِنّه فرض على الكفاية، فقد قال هذا الرجل: الصحيح أنه يجب في اليوم مرة واحدة في كل محلة، والذي يقرب في ضبط هذا أن يترتب المؤذنون في محالّ البلدةِ، بحيث لا يبقى قطرٌ منها لا يبلغها صوت مؤذن، وَحُكي عن عطاء أنه أوجب الأذان على هذا الترتيب على الكفاية في اليوم والليلة خمس مرات. ولم أر هذا المذهب مَعْزياً إِلى أحد أصحابنا.
قال: وذهب ابن خَيْران إِلى أن الأذان يجب في كل جمعة مرة.
فهذا ما حكاهُ في فرض الكفاية وتفريعه.
ونحن نُوجه هذا، فإِن ما يعد من فروض الكفايات سيأتي مجامعه في كتاب السير، ولكن من أظهر فنون فروض الكفايات ما يتعلق باستيفاء الشعائر الظاهرة المستمرة في الشريعة، وهذا يظهر في شعارٍ لو خلا عنه قُطْر، لتنادى الخلق بالإِنكارِ والاستنكارِ، وقد صح أن رد جواب المسَلِّم من فروض الكفايات، من حيث إِن ذلك من شعائرِ الإِسلام، فالأذان بذلك أولى. ثم لا يُؤْذِنُ الشعار بالدَّرْس إِذا كان مما يقامُ في اليوم والليلة مرّة واحدة.
وأما وجه ما ذكره ابن خَيْران، فهو أن الأذان دعاء إِلى الجماعات، وإِنما تجب الجماعة على الأعيان، مع الاختصاص بأوصافٍ معروفة يوم الجمعة، فاختص الأذان الذي هو دعاء إِليها بكونه فرضاً على الكفاية.
وسمعت شيخي يفرِّع على هذا الوجه، ويذكر فيه اختلافاً، ويقول: من أئمتنا من قال: الأذان فرضٌ يوم الجمعة، وهو الأذان الذي يقام بين يدي الخطيب؛ فإِنّه من الشعائر المختصة بصلاة الجمعة، فلا يمتنع القضاءُ بفرضيته كالجماعة، والخطبةِ، وقيامِ الخطيب في الخطبتين، وقعودِه بينهما. ومنهم من قال: يسقط بالأذان الذي يؤتى به لصلاة الجمعة، وإِن لم يكن بين يدي الخطيب، واتفق هؤلاء أن الأذان ينبغي أن يكون لصلاة الجمعة، ولا يسقط بأذانٍ لصلاة أخرى في يوم الجمعة، فإِن ذلك عند هذا القائل مختص بصلاة الجمعة على الخصوص.