وحكى صاحب التقريب عن الشافعي في الأم أنه قال: "ليس على النساء أذان، وإِن جمعن الصلاة، فإِن أذَّنَ وَأقمن، فلا بأس، وإِن تركت الإِقامة، لم أكره لها مِن تركها ما أكره للرجال" (١). هذا لفظ الشافعي في "الأم". ومساقه مشعر بأمور منها: أن الإِقامة على الجملة مَأمور بها في حقها؛ فإِنه قَدَّر في تركها كراهية، وحطّ قدرها عن كراهية التركِ في حق الرجال، وتَخصيصُه الإِقامة بالذكر في الكراهية دَليل على فصله بين الإِقامة والأذان، وهو مشعر بأن لا كراهية عليها في ترك الأذان، وقول الشافعي في الأذان والإِقامة "لا بأس" مشير إِلى أن الأمر لا يظهر في الأذان والإِقامة جميعاً، فهذه وجوه في التردد.
ونظم الأئمة من مجموع ذلك أقوالاً: أحدها - أن المرأة لا تؤذن وتقيم.
والثاني - أنها تؤذن وتقيم.
والثالث - تقيم ولا تؤذن، ثم إِن أذنت لم ترفع صوتها.
ومما نذكره مرسلاً أن الرجل إِذا انفرد بنفسه في الصلاة، وكان ذلك في موضعٍ لم ينته إِليه صوتُ مؤذن، فظاهر المذهب، أنه يؤذن ويقيم، وهو المنصوص عليه في الجديد.
وفي بعض التصانيف قولٌ محكي عن الشافعي في القديم، أنه لا يؤذن المنفرد ولكنه يقيم.
وقال بعض أئمتنا: إِن كان يرجو حضور جمعٍ، فالأذان مأمور به، وإِن كان لا يرجو، فلا يؤذن.
وإِذا رأينا له أن يؤذن، فالظاهر أَنا نُؤثر له رفعَ الصوت، والأصل فيه ما روي أن النبي -عليه السلام- قال لأبي سعيد الخدري: "إنك رجل تحب الغنم والبادية، فإذا
(١) ر. الأم: ١/ ٧٣. وسياقة عبارة الشافعي بهذه الصورة فيها حذفٌ، وتمامها: "وليس على النساء أذان ولا إقامة، وإن جمعن الصلاة. وإن أذن وأقمن، فلا بأس. ولا تجهر المرأة بصوتها، تؤذن في نفسها، وتُسمع صواحباتها إذا أذنت، وكذلك تقيم إذا أقامت، وكذلك إن تركت الإقامة، لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال، وإن كنت أحب أن تقيم".