وهؤلاء هم الذين عبر عنهم الأئمة بأن المؤذن يُبْلِغ جيران المسجد.
فإِن قيل: هلَاّ نُزِّلَ أقلّ الرفع على ما يدعو أقلّ الجمع؟ قلنا: ليس ذلك بأذانٍ يسمى إِبلاغاً، وشَهْراً، وإِقامةً للشعار، فليدع الداعي جمعا وسطاً، فهو أقلُّ مرعيٍّ في ضبط الإِسماع والإِبلاغ، ولو أذن المؤذن في نفسه لا يبلغ بذلك شرذمة، والذي يطرأ علينا في ذلك أنه لو كثر عدد المؤذنين، ولم ينته كلّ مؤذن في نفسه إِلى ما ذكرناه، ولكن عمَّ الأذان البلدة بكثرة الدعاة لا برفع الصوت، فهذا فيه احتمال ظاهر.
فهذا في أذان الإِبلاغ، فأمَّا حيث يؤذن المؤذن في نفسه، فلو اقتصر فيه على حدِّ قراءة القارىء في الصلوات السرية، فلا يكون ما جاء به أذاناً ولا إِقامة، فليرفع صوته.
قلنا: والضبط فيه أنه يعني تنبيه من حضر أو على حَدِّه (١)، وإِن لم يحضر أحد.
فهذا تمام ما انتهى إِليه الفكر في تقاسيم الأذان، وفيما يُراعى فيها من رفع الصوت.
فصل
قال: "ويكون على طُهر فإن أذن جنباً كرهته" (٢)
٦٨٩ - أذان الجنب والمحدِث معتدّ به، فإِنا إِن نظرنا إِلى نفس الأذان، فهو دعاء وأذكار، وإِن نظرنا إِلى مقصود الأذان، فلا ينافيه الحدث، غير أنا نكره الأذان من غير طُهر، وسبب ذلك على الجملة أنه إِن حضر الجَمْعَ، فإِنه خيرٌ كثير (٣)، وقبيح أن يدعو ولا يُجيب بنفسه، فكان في حكم من يعظ ولا يتعظ، وتسوء الظنون به أيضاً.
ثم الكراهية في الجنابة أشدّ، من جهة أن الشغل في رفعها أكثر، وإِن انتظر
(١) أي على قدر تنبيه من يكون حاضراً.
(٢) ر. المختصر: ١/ ٦٠.
(٣) المعنى أن المؤذن إن حضر الجمعَ -الذي أجاب الأذان- وصلى معهم، فقد ناله خير كثير،
حيث جمع بين أجر الأذان وأجر الإجابة.