استحلالَه لها مع العلم بأن تحريمها ثابت في الشرع ردٌّ للشرع، ورادُّ الشرع مكذبٌ للشارع، وإطلاق القول بتكفير مستحل الخمر لم يصدره الفقهاء عن ثَبَتٍ وتحقيق، وكيف يُكفَّر من خالف الإجماع، ونحن لا نكفر من ردّ الإجماع، بل نبدّعه ونضلّله؟ والسرّ اللطيف في ذلك أنا نكفر من يصدق المجمعين في نسبتهم ما ذكروه إلى الشرع، ثم يرده.
وأما وجوب الحد، فلا شك فيه. فإن أسلم وكان قريب عهد بالإسلام، لم يبلغه تحريم الخمر فيما زعم، فجهله يدرأ الحد عنه، وهو بمثابة ما لو تعاطى شراباً حسبه حلالاً، ولم يشعر بكونه خمراً. وإن علم التحريم وجهل الحدَّ، حُدّ.
وأما الأشربة المسكرة التي أباحها أبو حنيفة؛ فقد قدمنا قول الشافعي في إقامة الحد على الحنفي مع قبول شهادته، ونقلنا خلاف الأصحاب في كتاب الحدود، وفصلنا بين استحلال الحنفي النبيذ وبين استحلال الذمّي الخمر.
١١٢٠١ - قال الشافعي: " من شرب شراباً ظنه غير مسكر فسكر، ومرت عليه مواقيت صلوات، فلا قضاء عليه " وأجمع الأصحاب أنه أراد بما قال أن ما يظنه غير مسكر في جنسه، فيكون كالمغمى عليه تمرّ عليه مواقيت الصلوات. فأما إذا علم أن جنسه مسكر، وظن أن قدره لا يسكره، فإذا سكر لم يُعذر، ويلزمه قضاء الصلوات التي تمر عليه مواقيتها في حالة السكر. وقد تمهدت هذه الأصول فيما سبق.
١١٢٠٢ - والذي نرى الاعتناء به التداوي بالخمر عند فرض مسيس الحاجة إليه.
وقد أطلق الأئمة المعتبرون أقوالهم في الطرق أن التداوي بالخمر محرم، وأن التداوي بها محذور، وهذا كلام مبهم متروك على إشكاله. ونحن نذكر ما بلغنا من كلام الأصحاب وننقله على وجهه، ثم نَجري على دأبنا في البحث والتنقيح وردّ الأمر إلى ما يجب تنزيله عليه.
قالوا: من غُصَّ بلقمةٍ ولم يجد شيئاً يُسيغها إلا الخمر، فيجب تعاطيها، ومن أكره على شرب الخمر، لزمه شُربُها إذا خاف على روحه، أو ما يحل محل الروح.
وقد تقدم تفصيل القول في الإكراه.