الكل. فإذا اضطُر الرجل، وانتهى إلى المخمصة، ومعه ما يسدّ جوعته، وفي رفقته مضطرٌ فآثره بالطعام، فهو حسن، وكذلك القول في جملة الأسباب التي تتدارك بها المهج، ولا خلاف أنه لا يحل إيثارُ بهيمةٍ، وكيف يظن الظان هذا، ويجب قتل البهيمة لاستبقاء المهجة.
١١٢٤٣ - ولو كان الصائل على الإنسان مجنوناً أو مراهقاً، فمعلوم أنه لا يبوء واحدٌ منهما بالإثم، ولو استسلم للقتل، وللأصحاب طريقان فيهما: منهم من لم يجوّز الاستسلام، ونزلهما منزلة البهيمة في هذا المقام، واستمسك بما أجرى الله تعالى ذكره في قصة هابيل؛ إذ قال عز وجلّ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِك} المائدة: ٢٩.
ومن الأصحاب من أجرى قولي الاستسلام في الصبي والمجنون (٢)؛ لأن المعنى المتبع في ضبط هذا القول محاذرة الزيادة على قدر الحاجة في الدفع، والصائل آدمي محترم، وهذا المعنى يتحقق، وإن كان الصائل لا يبوء بالإثم، وأيضاً فإن للقتيل القرب من مرتبة الشهادة، وهذا المعنى يجري في الصبي والمجنون إذا صالا.
١١٢٤٤ - وأما الذميّ إذا كان هو الصائل، فالوجه الدفع؛ فإنه لا يجوز الاستسلام، وإن كانت الذمة توجب حقن دمه؛ لأنه بصياله ناقصٌ عهده؛ فتسقط حرمته، ويبقى كافراً صائلاً على مسلم، فإن قيل: أليس من الأصحاب من يقول: لا تنتقض الذمة بالقتل؟ قلنا: ذلك وجه ضعيف، ثم لا حرمة للذمة حالة القتال، والصيال. وعلى الجملة الاستسلام للكافر ذُلّ.
١١٢٤٥ - وتمام البيان في هذا أنه كما يدفع الصائلَ عن نفسه كذلك يدفعه عن قريبه وحميمه، وعن الأجنبي منه. وهل يجوز له ترك الذبّ، أم يجب عليه أن يبذل وسعه في الدفع عن غيره؟ فيه تردّدٌ للعلماء، وهو من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن
(١) وجه الاستدلال بالآية: أن الصبي والمجنون لا يبوءان بالإثم، فهما كالبهيمة من هذه الناحية.
(٢) وهذا الوجه هو الأشبه، كما عبر بذلك الرافعي. (ر. الشرح الكبير: ١١/ ٣١٥).