عسر ربطها، لا يعسر سدّ المنافذ حتى لا تنفذ منها إلى دور الجيران، ثم الذين أوجبوا الضمان اختلفوا: فقال قائلون: ما تتلفه نهاراً، فعلى صاحبها الضمان، وما تتلفه ليلاً، فلا ضمان؛ فإن الأشياء تحفظ عن الهرّ ليلاً، ولا يحتاط فيها نهاراً. فإذا تقدّر التلف نهاراً، فالتفريط غير منسوب إلى أصحاب الطيور وما في معناها.
ومن أصحابنا من يعكس ذلك، فيقول: ما تتلفه ليلاً يضمنه ربُّها؛ فإن أكثر شرِّها وانتشارها بالليل، إذا نام الحفظة، والأعين الكالئة، فينبغي أن يحتاط ربها، وما تتلفه نهاراً، فالتفريط فيه على ملاك الطيور؛ من حيث غفلوا عن مراقبتها.
وما ذكرناه في هرّة لا تعهد ضارية، فأما إذا ضَرِيتْ بالإفساد، وقتل الطيور، فأول ما نذكره فيها أنها إن كانت لم تقتل، وإن كانت مسيبة، فقد قال القفال: لا تُقتل أيضاً؛ فإن الاحتراس، والاحتراز منها ممكن، فتُدفع، فإن أتى الدفعُ عليها، فلا حرج.
وقال القاضي: إذا ظهرت ضراوتها، وبان شرها في إهلاك الأموال والطيور، فيجوز قتلها كما يقتل الكلب العقور. ثم قال: لا يختص جواز قتلها بوقت ظهور شرها، بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر بقتل الفواسق في الحل والحرم " (١)، ولم يخصص بوقت بدوّ شرها، وشرُّها في الأموال أو في البهائم، فإن مما أُمر بقتله الغراب والحدأة، وإن كان شرهما في ضِرارٍ وفي أمور تتعلق بالمعايش.
وهذا متجه، فإن اتفقت ضراوة الهرّة، التحقت بالمؤذيات، فمساق (٢) هذا الكلام يتضمن جواز قتلها، وإن كانت ربيطة. وليت شعري ماذا نقول في الحدأة المَصِيدة التي اختص بها من اصطادها، وهي في قفصه أو رباطه، فهل يحلّ قتلها؟ الحديث يقتضي جوازَ قتلها، ولا يجري الملك فيها، كما لايجري الملك في الحشرات، ولا يحلّ إذاً على هذا اقتناؤها، بل على من يستمكن منها أن يقتلَها. وإن
(١) حديث " أمر بقتل الفواسق في الحلّ والحرم " متفق عليه من حديث عائشة (ر. البخاري: جزاء الصيد، باب ما يقتل المحرم من الدواب، ح ١٨٢٩. مسلم: الحج، باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، ح ١١٩٨).
(٢) في الأصل: ومساق.