ووجهه لائح؛ فإنَّ أظهر الأغراض من الأذان الاستحثاث على الجماعات، والإمامة عين القيام بعقد الجماعة، والقيام بالشيء أولى من الدعاء إليه. وما روي عن النبي عليه السلام أنه قال: "الأئمة ضمناء" تنبيه على عظم خطر الإمامة، وذلك يشعر بعلو قدرها، مع الحث على التوقي من الغرر.
فإن قيل: لم كان لا يؤذن -عليه السلام؟ - قيل: تردد فيه الأئمة، فقيل: كان لا يتفرغ إلى رعاية ذلك، ولم يكن من إقامة الصّلاة بُدٌّ على حال، فآثر الإمامة عليها.
وقيل: لو أذّن، لقال: أشهد أن محمداً رسول الله، وهو محمد، فكان خارجاً عن جزل الكلام، ولو قال: أشهد أني رسول الله، لكان تغييراً لنظم الأذان المعروف، ولو قال: حيَّ على الصلاة، لكان معناه: هلموا، وذلك أمر ودعاء، فكان يتحتم حضور الجماعات، فأشفق على أمته، ولم يؤثر أن يُلزمهم ما قد لا يفونَ به.
قال: "وأحب أن يكون المؤذن اثنين" (١).
٧٠٦ - إذا كان المسجد كبيرا أو مطروقاً، فينبغي أن يُرتَّبَ فيه مؤذنان، اقتداء بما كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان فيه بلال وابن أم مكتوم، ومن أظهر الفوائد فيه أن يؤذن أحدهما للصبح قبل طلوع الفجر، ويؤذن الثاني بعد طلوعه، قال عليه السلام: "إن بلالاً يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابنُ أم مكتوم" (٢).
وإذا كثر المؤذنون، فلا يستحب أن يتراسلوا بالأذان، بل إن وسع الوقت ترتبوا، وإن ضاق تبدَّدُوا في أطراف المسجد وأذَّنوا، فيكون كل واحد منفرداً بأذانه، ويظهر أثر ذلك في الإسماع والإبلاغ.
ثم لا يقيم في المسجد إلا واحد. وإن كثر المؤذنون، فولاية الإقامة لمن أذن أولاً، والأصل فيه أن بلالاً غاب عن معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة له؛ فأذَّنَ رجل من بني صُداء، فلما رجع بلال، همَّ بأن يقيم في وقت الإقامة، فقال عليه السلام: "إن أخا صُداء قد أذن؛ وإن من أذن فليقم" (٣).
(١) ر. المختصر: ١/ ٦٢.
(٢) متفق عليه من حديث ابن عمر (اللؤلؤ والمرجان: ١/ ٢٧٨ ح ٦٦٢).
(٣) حديث: "إن أخا صداء ... " رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وتكلم فيه =