وقد يلوح في هذه الصورة معنى، وهو أن من أقامها فقد يبتدره النوم، ومن أخرها فقد يوفَّق لصلاةٍ أو غيرها من الخيرات قبل المنام.
ومما يستثنى من القاعدة، الإبراد بصلاة الظهر، والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: قد أكل بعضي بعضاً، فأَذِن لها في نَفَسَينِ، نَفسٍ في الشتاء ونَفَسٍ في الصيف، فأشد ما تجدون من الحرّ من حرها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، فإذا اشتد الحر، فأبردوا بالصلاة، فإن شدّة الحر من فَيْحِ جهنم" (١).
فالذي صار إليه معظم الأئمة أن الإبراد بصلاة الظهر في الحرّ سنة.
وذكر الشيخ أبو علي في شرح التلخيص: أن من أئمتنا من عدَّ الإبرادَ رخصة، ولم يره سنة، والحديث الذي رويناه يدل ظاهره على أن الإبراد محثوث عليه، مأمور به.
ثم ذكر الشيخ أبو علي أن الإبراد -رخصةً كان أو استحباباً- مخصوص بالبلاد الحارة. وكان شيخي يُجريه في بلادنا المعتدلة في شدة الحر، فإن الحر في هذه البلاد ينتهي إلى مبلغ يتأذى المشاة فيه بالمشي في إشراق الشمس، فالمرعي رفعُ الأذى.
وقد ذُكر أن النهيَ عن استعمال الماء المشمس يختص بما شُمِّسَ في البلاد الحارة، والسببُ فيه، أن المحذور منه أثر طبِّي، وهو يختص بحِلابة تتحلّب من النُّحاس وغيره فتلقَى البشرةَ، وهذا لا يتوقع في البلاد المعتدلة، والتأذي بحرِّ الشمس جار في البلاد المعتدلة والحارة جميعاً.
ثم الغرض من الإبراد تأخير الصلاة في الظهر إلى أن يظهر فيء الأشخاص (٢)، فيمشي الماشون في الفيء إلى الجماعات، وليس المعني بالإبراد الانتهاء إلى برد العَشيِّ؛ فإن ذلك قد لا يحصل في البلاد الحارة، وإن دخل وقتُ العصر. ثم ذكر
(١) حديث "اشتكت النار ... " متفق عليه من حديث أبي هريرة (اللؤلؤ والمرجان ١/ ١٢١ ح ٣٥٧، وانظر التلخيص: ١/ ١٨١ ح ٢٦٠.).
(٢) الأشخاص: أي الأشياء الشاخصة المرتفعة: من شَخَص الشيءُ شخوصاً: إذا ارتفع (المعجم).