كون (١) الفئة القريبة ليس يعم بالنسبة إلى معركة القتال، بحيث يتوقع منها تدارك أهل المعركة.
ومما يجب الاعتناء به أنا إذا جوزنا التحيز إلى الفئة القريبة، فالذي أراه أن هذا إنما يجوز إذا استشعر المولِّي عجزاً من المسلمين مُحوجاً إلى الاستنجاد، فأما إذا لم يكن كذلك، وغلبهم غالب، فلا معنى للتحيز إلى فئة؛ إذ لا حاجة إلى التحيز، بل الحاجة إلى مصابرته أظهر، فإن انهزامه قد يُقلّ (٢) الجند، فإن كان يبغي إنجاداً، فلا ينبغي أن يُنْجز خرماً رقيقاً قد لا يُتدارك.
والذي أراه أن التحيز إلى الفئة البعيدة لا بدّ فيه من هذا التفصيل؛ فإن المولِّي لو كان يغلب على الظن أن انهزامه -وإن قصد التحيز- يُقلّ الجند، ويقوي قلوبَ المشركين، وقد يؤدي الأمر إلى أن يتغشى الكفارُ المسلمين، فلا يجوز التحيز هاهنا.
والتحرّف للقتال إن جرّ مثل هذا، فلا يجوز أيضاً؛ فإن الإنسان قد يقصد التحرّف ثم لا يستمسك.
فهذا ما عندنا في هذا الفصل.
١١٣٤٠ - ثم قال الأصحاب: المتحرّف للقتال مقاتل، وهو. كالواقفين (٣) أو كالمبارزين، فلا شك أنه يشرك في المغنم، والمتحيز إن ولّى، ثم انهزم الكفار قبل أن يفارق المتحيز جند الإسلام، شارك في المغنم، ولو فارق الجند مولِّياً متحيزاً، وانفض (٤) القتال بعد انفصاله، فهل يستحق من مغنم هذا القتال؟ فعلى وجهين.
هكذا ذكره الأصحاب.
وأنا أقول: إن كان يتحيز إلى فئة بعيدة، فلا يحل تخيل ذلك؛ فإنه منهزم قطعاً قبل الاستيلاء على المغنم؛ فيستحيل أن يشترك لقصده أن يعود بعد سنة؛ فإن ذلك
(١) كون: أي وجود.
(٢) يقلّ: بالقاف. من أقل الشيء جعله قليلاً.
(٣) في الأصل: " كالموافقين ". وهو تصحيف قريب.
(٤) في الأصل: " وانفصل ".