وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (١).
هذه قاعدة المذهب في الكفار، وتفصيل الحكم في أقسامهم.
ثم لا أثر عندنا في قبول الجزية وردها للعرب والعجم، وإنما التعويل في قبول الجزية على من قَبِل الكتابين، التوراةَ والإنجيلَ، أو للتمسك بشبهة كتاب المجوس، ثم لا فرق بين أن يكون الكتابي أو المجوسي عربياً أو أعجمياً.
فهذا تأسيس المذهب فيمن يكون من أهل الجزية، وفيمن لا يكون أهلاً لها.
١١٤٣٥ - ولو جاءنا قوم من الكفار، وزعموا أنهم متمسكون بالكتب المنزلة على الأنبياء، وتعلّقوا فيما زعموا بتلك الكتب كالزبور المنزل على داود، والصحف المنزلة على إبراهيم، فهل نأخذ منهم الجزية؟ ذكر العراقيون وجهين: أحدهما - أنا لا نأخذ الجزية إلا من الأصناف الثلاثة: اليهود والنصارى والمجوس؛ لأنا لا نثق بأقوال الآخرين، ولا ندري صدقَهم من كذبهم، ولم نر الأولين ينوطون أحكام أهل الكتاب إلا بأهل التوراة والإنجيل. هذا أحد الوجهين. والوجه الثاني- أن الجزية تؤخذ منهم؛ فإنهم بزعمهم أهل الكتاب وقد أُمرنا باعتماد أقوال الكفار إذا اعتَزَوْا إلى كتب الله تعالى.
ولو انتهينا إلى بلدة، ورأينا فيها جمعاً من الكفار، وزعموا أنهم يهود والتزموا الجزية، لزمنا قبولَها منهم، ولا نطالبهم بإقامة البينة على دينهم، فإنا لو كلفناهم ذلك وشهادتهم مردودة، والعلم بما ذكروه لا يأتي إلا من جهتهم، لجرّ ذلك عسراً في قبول الجزية، وإن كان هذا متفقاً عليه في الذين ينتحلون التهوّد والتنصر، فكذلك (٢) إذا انتمى قومٌ إلى كتاب منزل على بعض الأنبياء، وجب إلحاقهم بأهل الكتاب في قبول الجزية منهم؛ تعويلاً على قولهم.
(١) حديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " رواه مالك (الموطأ: ١/ ٢٧٨ ح ٤٢)، والشافعي (الأم: ٤/ ١٧٤)، وابن أبي شيبة (١٢٦٩٧)، وعبد الرزاق (١٠٠٢٥)، والبيهقي في الكبرى (٩/ ١٨٩)، والمعرفة (٧/ ١١٤)، والحديث ضعفه الألباني في الإرواء (٥/ ٨٨ ح ١٢٤٨).
(٢) في الأصل: " وكذلك ".