الرد يقف على الطلب، كما أن غرم المهر يقف على الطلب، هذا هو الظاهر المفهوم من القصة التي جرت في المهادنة.
ولو صرح مهادن بأن يردَّ من جاء إلى بلاد الكفر بأعوانه، فلا يمتنع لزوم الوفاء بهذا، وإنما حَمَلْنا ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب؛ لأن من جاء فهو مردود عليكم معناه: إذا جئتم، فهو ردٌّ عليكم، ولا تعويل عليه، فالمتبع قصة المهادنة.
١١٥٢٢ - عاد بنا الكلام إلى العبد وفي ردّه وجهان مشهوران: أحدهما - أنه لا يرد؛ لأنه مسلم، والظاهر أنه يُستذلّ ويُهان، ويسترقّ بعد ما عَتَقَ بالمراغمة، فصار ردّه كردّ المرأة. ومن أصحابنا من قال: هو مردود، بخلاف المرأة، فإن المحذور منها فاحشة الزنا، وإتيان كافر مسلمة، وهذا معدوم في العبد.
ولو جاءنا حُرّ لا عشيرة له، وغلب على الظن أنه يهان لو رُدَّ، فلأصحابنا طريقان في ردّه: منهم من ألحقه بالعبد، ومنهم من قطع بأنه يرد؛ نظراً إلى جنس الأحرار، وليس يبعد عندي أن يقال: على الإمام أن يشترط عليهم ألا يهينوا المسلم المردود عليهم، حتى إن أهانوه، كان ذلك نقضاً للعهد، وهذا متجهٌ؛ فإن الردّ إن كان ملتزَماً بالعهد، فيجب استفراغ الوسع في نفي الإهانة عن المسلم.
١١٥٢٣ - ومما نذكره متصلاً بهذا أن عمر عَرَّض لأبي جندل بقتل أبيه تعريضاً يقرب من التصريح، فلا بد من التصرف في هذا؛ فإن دماء من هادناهم مصونةٌ محقونة، وفي هذا تردُّدٌ لا بُد من إنعام النظر فيه، والمقصود منه يبين بما نصفه، فنقول: إذا هادن الإمام جماعة، ووادعهم، وذكر أنهم في أمنٍ من المسلمين، فلو أسلم من المعاهدين أقوامٌ وثاروا من بين أظهرهم، فهل لهم أن يقتلوهم؟ هذا عندنا فيه احتمال ظاهر؟
يجوز أن يقال: لهم أن يقتلوهم ويغتالوهم؛ فإن الإمام لم يلتزم إلا أن ينكف ويكف جنود الإسلام والمسلمين عنهم، فأما الذين يُسلمون من بعدُ وينبِّتون (١)
(١) غير واضحة بالأصل، والمثبت من (هـ ٤).