٧٣٩ - فأما القسم الثاني - وهو إذا عَسُر دَرَكُ اليقين، ففيه تفصيل القول في الاجتهاد: فإذا كان الرجل في سفره، وتعذر عليه مدرَك اليقين، فأول ما خاض فيه الخائضون ذكرُ أدلة القبلة، ولست أخوض فيه؛ فإن استقصاء القول فيه يطول، وقد ألف ذوو البصائر فيه كتباً، وشرْطُ هذا الكتاب إذا فرض فيه أمر، أن ينتهي إلى غايته، فلتُطلب أدلة القبلة من كتبها.
وذكر الصيدلاني منها مهابّ الرياح، وهذا بعيد عندي جدّاً؛ فإن الرياح لا معوّل عليها، والتفافها في مهابّها أكثر من استدادها، ثم لا يتأتى التمييز فيها.
٧٤٠ - ومما نذكره في هذا الفصل: أن من يسافر هل يتعين (١ عليه أن يتعلم من أدلة القبلة ما يستقبل به، وهل يلتحق هذا بما يتعين ١) على المكلف تعلمه؟
ذكر بعض المصنفين فيه اختلافاً، وهو لعمري محتمل، فيجوز أن يقال: يجبُ؛ كما يجب تعلم أركان الصلاة وشرائطها، ويجوز أن يقال: لا يجب؛ فإن التباس جهة القبلة مما يندر، وإنما يتعين على كل مكلف تعلم ما يعمّ مسيس الحاجة إليه.
٧٤١ - ثم إنما يجتهد البصير، فأما الأعمى، فلا شك أنه لا يتأتى منه الاجتهاد، وليس له إلا التقليد.
ومن لا يعرف الأدلة، ولم نوجب عليه التعلم، فإنه يقلّد أيضاً.
٧٤٢ - والعالم بالأدلة لا يقلد عالماً؛ إذا كان متمكناً من الاجتهاد. وإن التبست عليه الأدلة، وعسر عليه الاجتهاد، فقد نقل المزني عن الشافعي أنه قال: "ومن خفيت عليه الدلائل: فهو كالأعمى" (٢).
وعلى الجملة: اختلف أئمتنا في أنه إذا تعذر على العالم النظر، ولم يعسر على عالم آخر، فهل يقلّد من خفيت عليه الدلائل من لم يخْفَ عليه؟
فمنهم من قال: يقلّد؛ لأنه في حالته كالأعمى الذي لا يتمكن من النظر.
(١) ما بين القوسين ساقط من: (ت ١)، (ت ٢).
(٢) ر. المختصر: ١/ ٦٥.