قصد التبررَ، التزم الوفاء قولاً واحداً وكان ناذراً، ولم يكن حالفاً. وإن لم يقصد التقرب، ولكن قصد منع نفسه، فيكون حالفاً يمين الغَلَق، وفيه الأقوال الثلاثة.
ثم أطنب القاضي في التصوير في ازدحام التبرر واليمين، وقال: المذكور ثلاثة أضرب: واجب، ومحظور، ومباح. فالواجب يتصور في إثباته التبرر والغلق مثل أن يقول: إن صليت الظهر، فعليّ كذا. هذا محتملٌ للتبرر، وتأويله: إن وفّقني الله لفعلها، فعليّ كذا، ويحتمل الغلق بأن يمتنع الرجل عن الصلاة، فيقول له القائل مثلاً: صلّها، فيقول في جوابه: إن صليتها، فعلي كذا.
وأما إذا كان المذكور محظوراً، مثل أن يقول: إن لم أشرب الخمر، فعليّ كذا، فالتبرّر ممكن، وتأويله إن عصمني الله تعالى عن شربها، فعليّ كذا. ومحتمل للغَلَق على تقدير أن يقال له: لا تشربها اليوم. فيقول: إن لم أشربها اليوم، فعلي كذا.
ولو قال: إن شربتها، فعليّ كذا، فلا يتصور التبرر في هذا القسم، والغَلَق متصوّر.
وإن كان المذكور مباحاً تصور في نفيه وإثباته التبرر والغلق، ومثاله، أن يقول: إن أكلت هذا الرغيف، فعليّ كذا، واحتمال التبرر فيه إن شهَّاني الله وقوّاني، وأنعم بإدامة إمكاني، فعليّ كذا- والغلق لا شك في تصوره. وإن نفى، فقال: إن لم آكل هذا الرغيف، فعلي كذا- فالتبرر ممكن. وتأويله: إن وفقني الله لقهر النفس، وقلعها من نَهْمَة الأكل، فعليّ كذا. ولا حاجة إلى التكلف في تصوير الغلق. فهذا بيان يمين اللجاج والغضب.
وكان شيخي يقول: إذا قال (١): إن دخلت مكة، فعليّ كذا، انقسم فيه إمكان التبرر والغلق، والغلق وجهه بين. وإن قال: إن دخلت نيسابور، فعليّ كذا، فهو غَلَق محض، وما ذكره القاضي يقتضي (٢) تصوير التبرر في جملة المباحات، وكان شيخي يخصص التبرر بما يظهر كونه مقصوداً وحصوله على غرر، وقد وافقه على هذا طائفة من الأصحاب.
وحاصل الطريقة أن لا تبرر في النِّعم المعتادة، كما أنا لا نستحب سجود الشكر
(١) زيادة اقتضاها السياق. ثم وجدناها في (ق).
(٢) زيادة من (ق).