كتاب أدب القضاء (١)
١١٨٧٨ - قال الله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} المائدة: ٤٨، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ... } المائدة: ٤٤ - ٤٥ - ٤٧، وقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} ص: ٢٦.
وقال: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ ... } الأنبياء: ٧٨، فهذه وأمثالها آيات مشتملةٌ على مخاطبة الأنبياء بالحكم كما خوطبوا بتبليغ الرسالة.
وذم تعالى أقواماً يمتنعون عن الحكم، ومدح آخرين يأتونه مذعنين- فقال في الأولين: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} النور: ٤٨.
وقال في المذعنين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} النور: ٥١.
ومن هذا استحب بعض أصحابنا أن يقول المدعوّ إلى مجلس القاضي: سمعاً وطاعةً تأسياً بقوله تعالى؛ فإنه عز من قائل عدَّ هذا من سبيل المؤمنين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أحكم بالظاهر " (٢).
(١) منذ باب جامع الأيمان لم يكن عندنا إلا نسخة وحيدة هي (ت ٦)، وعليها استمر العمل في هذا الجزء إلى أن جاءتنا نسخة (ق) والكتاب ماثل للطبع، فكان لابد من مقابلتها، والحمد لله وافقتنا غالباً فيما قدرناه من تصويبات وتقديرات لما كان من خلل في هذه النسخة الوحيدة. وقد نبهنا على هذه الموافقة أحياناً.
(٢) حديث " إنما أحكم بالظاهر ... " قال الحافظ: هذا الحديث استنكره المزني فيما حكاه ابن كثير عنه في أدلة التنبيه ... وقد ثبت في تخريج أحاديث المنهاج للبيضاوي سبب وقوع هذا الوهم من الفقهاء في جعلهم هذا حديثاً مرفوعاً، وأن الشافعي قال في كلام له: " وقد أمر الله نبيّه أن يحكم بالظاهر، والله متولي السرائر ". وكذا قال ابن عبد البر في التمهيد. وفي الباب حديث عمر " إنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي صلى اله عليه وسلم وأن الوحي قد انقطع، وانما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ". أخرجه البخاري: الشهادات، باب =