قيل: أيرقى الكلام إلى التحريم؟ قلنا: إن كان يطلب ويُضمر ما ذكرناه، فالتحريم؛ فإنه طلب أمانةً مع قصد الخيانة، والمودَع إن قصد بقبض الوديعة الخيانةَ، فهو ضامن، ومن التقط لقطة، وهو يقصد تغييبها (١)، فهو ضامن لا يَتَوصَّل إلى تملكها وإن عرّفها.
وإن طلب ولم يقصد الخيانة، وقصد أن يتوقَّى جهدَه، فالكراهيةُ، وليس كما لو كان يقتحم إلى فرض كفاية مخاوفَ محسوسةً كأُسدٍ ضارية أو ما في معانيها؛ فإن ما يتوقع من الأخلاق الرديئة لا ينتهي إلى ما يحسّ من أسباب التلف. هذه حالة.
الحالة الثانية - ألا يحسَّ من نفسه هَيْجاً وسَرَفاً في الأخلاق، وما كان اختبر نفسه في مخامرة الأمور (٢) العظيمة، فهو على خطر من أمره.
فإذا أضمر التقوَى، فله حالتان: إحداهما - أن يكون فقيراً محارَفاً (٣) يبغي كَفافاً من رزق يُدَرُّ عليه، فلا نطلق الكراهية والحالة هذه، وإن كان معه كفاف وبُلغة، وهو على غرر، ولم يغلب على ظنه الميل، فلا تشتد الكراهية، ولكنا نطلقها.
الحالة الثالثة - أن يكون قد اختبر نفسه في عظائم الأمور ولم ينقِم هَيْجاً ومجاوزةَ حد، فهذا تصدَّى له منصب عظيم في فروض الكفايات، وظنٌّ غالب في اقتحام المخالفات، وهو في التقاسيم كلها مستقل بالأمر: فمن أصحابنا من يطلق الكراهية، والرأي عندنا (٤) نَفْيُ الكراهية في هذا المقام، ثم إذا نفيناها، فهل يُستَحَب الطلب؟ فعلى وجهين: أقيسهما - أنه يستحب؛ لأنه طلبُ تلبّسٍ بكفايةِ مُهمٍّ عظيم.
ولولا عموم الأخبار في التحذير، لصححنا هذا الوجه، والعلم عند الله.
فإن قيل: إذا كنتم تطلقون التحذير ولا تخصصون بشخص، فهذا يؤدي إلى
(١) في الأصل: " تعيينها ".
(٢) زيادة من المحقق لإيضاح المعنى. ثم جاءتنا بها (ق).
(٣) محارَفاً: بفتح الراء. هو الذي حورف كسبه، فميل به عنه، كتحريف الكلام يعدل به عن جهته. (المصباح).
(٤) في الأصل: " والثاني عنده " والمثبت تقدير منا، وجاءت (ق) لا تكاد تقرأ فيها هذه اللفظة.