وقد اشتهر عن أبي يوسف (١) -رحمة الله عليه- التعويل على الخط وعلى شهادة الشهود بالقضاء عند ذلك القاضي.
ثم قال الأئمة: إذا قال شاهدان للقاضي: قد قضيتَ لفلان، فإن تذكّر عوّل على تذكّره، وإن لم يتذكر، لم يتعرض للشهود بالتصديق ولا بنقيضه، فإنه إن صدقهما، كان قاضياً بموجَب قولهما، وإن أبدى مراءً، كان ذلك قادحاً في شهادتهما عند قاضٍ آخر، فلا يسوغ له أن يقدح ويسد بابَ الإثبات.
ومما ذكره الفقهاء أن المحدِّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع كتاباً، وضبطه جهده، وكان ذلك الكتاب عنده، بحيث يعلم أنه لم يتسلط عليه أحد بالتغيير، فلما أراد روايته، لم يتذكر سماعه لأعيان تلك الأحاديث؛ فإنه ما كان حفظها ولا استظهرها حديثاً حديثاً، فالذي ذكره معظم الأصحاب أنه يجوز له التعويل على الكتاب، وقطْع الرواية بما (٢) فيه تعويلاً على الثقة التي هي معتمد باب الرواية.
وقال الصيدلاني: سبيله سبيل الشهادة (٣)؛ فلا بد أن يتذكر عين ما يرويه على تفصيله، وإلا فلا يروي. وهذا تعمق منه (٤) يخالف ما اتفق عليه علماء الأمصار.
١١٩٢٥ - ومما ذكره القاضي أن الخصم المحكوم له إذا ادعى على القاضي أنك قضيت لي، فرفعه إلى قاضٍ آخر، وأراد أن يحلّفه، فالذي ذكره الأصحاب أنه لا يملك ذلك.
قال القاضي: يُبنى هذا على أن النكول مع اليمين المردودة يجري مجرى البينة، أو مجرى الإقرار؟ فإن قلنا: يجري مجرى البينة، فلا حكم لها؛ فإن البينة لو قامت، لم يقع بها حكم. وإن قلنا: يجري مجرى الإقرار، فيحلّف، وإذا نكل رُدّ، ثم يمين الرد ينزل منزلة إقراره.
(١) ر. مختصر الطحاوي: ٢٣٢٩، المبسوط: ١٦/ ٩٣، ٩٤.
(٢) في الأصل: "مما".
(٣) في الأصل: " سبيله سبيل الرواية الشهادة " والمثبت من (ق).
(٤) في الأصل: "فيه".