القاضي وتكليفه (١) ما لو تكلفه، لكان قريباً من خَرْم المروءة وحطها.
وقد نقول: إذا مرض شهود الأصل قبِل القاضي شهادة الفروع، مع قدرته على أن يدور على مساكن الشهود المرضى، ويسمع منهم أصل الشهادة، ولكن لا نكلفه ذلك على تفصيلٍ سيأتي، إن شاء الله عز وجل.
فهذا ما أردنا ذكره من أحكام القاضيين في الجانبين.
١١٩٣٦ - والغرض الأظهر التنبيه على ما جعلناه معتمد الكلام في أن القاضي إذا نفذ قضاؤه، فقد تم الأمر، ولم يبق على المكتوب إليه من القضاء عُلقة، وإنما بقي إعانة الخصم المستحِق على استيفاء الحق.
فإن قيل: إن كان كذلك، فليكتب القاضي بعد إبرام القضاء إلى واحدٍ من عُرض الناس في البلدة التي فيها الخصم، وليأمره باستيفاء حق المستحق.
قلنا: هذا الآن غفلة عن القواعد؛ فإن هذا لا يتأتى إلا بسماع شهادة شهود الكتاب، وهذا لا يصح إلا من قائمٍ بالقضاء، حتى لو كان (٢) ذا ولاية وليس إليه القضاء، فلا يملك أيضاً استيفاء الحق؛ من حيث إنه لا يتوصل إلى سماع الشهادة، فلو وقف القاضي في شرقيّ بغداد على طرفِ ولايته، ونادى واليَ الغربي -وليس قاضياً - بأني قضيت على فلان ببينة أو إقرار، فاستوف ذلك الحق منه، فالوجه عندنا أن لا يستوفي أيضاً؛ فإنه ليس إليه سماع قول القاضي، كما ليس له سماع شهادة الشهود.
ويتجه أن يستوفيَه؛ من جهة أن القضاة قد يستعينون بالولاة المرتبين باستيفاء الحقوق من الممتنعين. ولا خلاف أن القاضي في محل ولايته لو استعان بالوالي في ذلك المحل، لأعانه الوالي تعويلاً على قوله، وينقدح في ذلك فرقٌ؛ فإن القاضي إذا استعان بالوالي في محل ولايته، فحتم على الوالي أن يطيعه ويتبعه، فحكمه نافذ على الوالي، فإذا كان الوالي في غير ولايته، فلا حكم له عليه، وإنما هو إسماع وإبلاغ،
(١) في الأصل: " وتكليمه ".
(٢) في الأصل: كانت ".