وإيضاح وجهٍ في الاحتمال، والذي أجمع عليه الأصحاب ما قدمناه.
ثم ما اعتمده الأصحاب أن قالوا: سماع البينة من القاضي حكم منه بقيام البينة، والحكم على مذهبنا ليس افتتاحَ أمر أو إنشاءَ شأن، وإنما هو إظهار ما تقرر ممن هو مطاع متبع إذا لم حد (١) عما أُثبت وشرح- فإذا حكم لزيد على عمرو، فمعناه: ظهر وجوبُ (٢) حقٌّ لأحدهما على الثاني، والشرع ألزم اتباعه، كذلك إذا ظهرت البينة وأظهرها، كان ذلك حكماً منه في هذا الحكم.
وفي هذا الوجه تمسك الأصحاب على أبي حنيفة (٣) رضي الله عنه بسماع الشهادة على الغائب، وردوا عليه قولَه: أن سبيل ذلك سبيل نقل الشهادة، وقالوا: لو كان كذلك، لكان القاضي فرعاً، والشهود أصول، ولا تثبت شهادة الأصول بقول فرع واحد.
ثم فيما أجراه الأصحاب من التفريعات ما يدل على أن سماع القاضي- وكتابُه على موجَب السماع- في حكم النقل، وفي التفريعات ما يدل على أنه حكم مبتوت.
ونحن نفضّ المسائل على هذا التردد، ونستجيز إطلاق القول باختلاف الأصحاب في أن هذا حكم أو نقل؟ فإذا اقتضى هذان الأصلان حكمين، وصادفنا المسائل مختلفة في التفرع، ساغ الإطلاق الذي (٤) ذكرناه.
وإن أحببنا، قلنا: قضاءٌ مشوب بالنقل، أو نقلٌ فيه شَوْبُ القضاء.
وأسدّ العبارات في ذلك أن نقول: هو قضاء بالنقل، وهذا يضاهي تردُّدَ الأصحاب في أن القاضي إذا زوّج المرأة في غيبة الولي القريب، وحضور البعيد، فهذا التزويج من القاضي نيابة عن القريب، أو هو على حكم الولاية؟ فيه تردد.
والأصح أنه نيابة اقتضتها الولاية.
(١) في الأصل: " يجد ".
(٢) في الأصل: " ظهر أن وجوب ".
(٣) هذه المسألة سبقت الإشارة إلى مصادرها آنفاً.
(٤) في الأصل: " والذي ".