وأبو حنيفة (١) رضي الله عنه يقول: ما سوى العقوبات يثبت بشهادة رجل وامرأتين.
وسلك الشافعي مسلكاً حسناً يليق بمنصبه، فقال: مراتب الشهادات لا يتطرق إليها قياس، والغالب عليها التعبد والاتباع، وبينة الزنا ثابتة في نص القرآن، فاتبعناها، وليس للشهادة على القصاص ذكر في الكتاب والسنة، وإجازة شهادة النسوة ثابتة بالنص في الأموال في آية المداينات، والشهادة على الرجعة في كتاب الله مقيدة بذوي عدل، فكان القصاص عندنا ملتحقاً بالرجعة لا بالأموال.
ثم قال: لا دليل في القصاص إلا اتجاهُ إلحاقه بالرجعة، فكيف يثبت بشهادة رجل وامرأتين، في كلام له رضي الله عنه ذكرناه في (الأساليب).
١٢٠٣٤ - المرتبة الثالثة - فيما يثبت برجل وامرأتين، وهو المال، وكل ما يُعنى به المال وحقوقه. أما الأموال، فبيّنة، وما يؤول إلى المال، كالبيع، والشراء، فإن هذه العقود لا تَعْني إلا المالَ، والمعنيّ بها أحكامٌ تنتظم في الأموال، فيثبت بالشاهد والمرأتين البيعُ، والشراء، والإجارة، والعُروض، وإتلاف الأموال، والقتل خطأ، والجوائف، والسِّمْحاق دون المُوضِحة إذا لم يجر القصاص فيها، وفسوخ عقود الأموال، وحقوق الأموال كالخيار واشتراط الرهن، والرهنُ نفسه، والضمان، والإقرار بالمال، والإبراءُ عن الأموال، والحقوقُ وقبضُها.
ومن جمللها قبضُ نجوم الكتابة إلا النجم الأخير؛ فإن المكاتَب إذا أراد إثبات إقباضه برجل وامرأتين، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أنه يثبت، لأنه إقباضُ مال.
والثاني - لا يثبت، لأن قصد العتق ظاهر فيه، ووطء الشبهة يثبت إذا كان المقصود من إثباته مهر المثل، وتثبت طاعة المرأة لتستحق النفقة، ويثبت القتلُ لاستحقاق السَّلَب، وما في معنى ما ذكرنا لا يخفى مُدركه إذا فَهِم الإنسانُ المقاصدَ، والمرأة إذا أثبتت النكاحَ للمهر، ثبت المهر وإن لم يثبت النكاح، والوصية تثبت وإن لم تثبت الوصاية، والبيع يثبت، وإن لم يثبت التوكيل به.
(١) ر. المبسوط: ١٦/ ١١٤، مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٤٥ مسألة: ١٤٧٦، طريقة الخلاف: ٣٨٠ مسألة: ١٥٩، إيثار الإنصاف: ٣٤٢.