شيء سأل رأسها- فبينما سليمان يسير إذ نزل مفازةً فسأل عن بُعْد الماء هاهنا، فقال الإنس: لا ندري، فسأل الجنّ فقالوا: لا ندري، فسأل الشياطينَ، فقالوا: لا ندري، فغضب سليمان فقال: لا أبرحُ حتى أعلم كم بُعْد مسافة الماء هاهنا! قال: فقالت له الشياطين: يا رسولَ الله لا تغضب، فإن يك شيئًا يُعلم فالهدهد يعلمه، فقال سليمان: عليّ بالهدهد، فلم يوجدْ، فغضب سليمان فقال: {وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقَال مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، يقول: بعذر مبيّن لِمَ غاب عن مسيري هذا؟ وكان عقابُه للطير أن ينتِف ريشه ويشمّسه فلا يستطيع أن يطير، ويكون من هوامّ الأرض إن أراد ذلك، أو يذبحه، فكان ذلك عذابُه.
قال: ومرَّ الهدهد علي قصر بلقيس، فرأي بستانًا لها خلْف قصرها، فمال إلي الخضرة فوقع عليها، فإذا هو بهدهدٍ لها في البستان، فقال هدهد سليمان: أينَ أنت عن سليمان؟ وما تصنع هاهنا؟ قال له هدهد بلقيس: ومَنْ سليمان؟ فقال: بعث الله رجلًا يقال له: سليمان رسولًا، وسخّر له الريح والجنّ والإنس والطير. قال: فقال له هدهد بلقيس: أيّ شيء تقول! قال: أقول لك ما تسمع، قال: إن هذا لعَجب، وأعجبُ من ذاك أنّ كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، جعلوا الشكر لله أن يسجدوا للشمس من دون الله. قال: وذكر الهدهد سليمان فنهض عنه، فلما انتهي إلي العسكر تلقَّتْه الطير وقالوا: توعّدك رسول الله، فأخبروه بما قال: قال: وكان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه ويشمّسه فلا يطير أبدًا، فيصير من هوامّ الأرض، أو يذبحه فلا يكون له نسل أبدًا. قال: فقال الهدهد: أوَ ما استثني رسول الله؟ قالوا: بل قال: أو ليأتينّي بعذر مبين، قال: فلما أتي سليمانَ، قال: ما غيَّبك عن مسيري؟ قال: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإ بِنَبَإ يَقِينٍ (٢٢)} حتى بلغ {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}. قال: فاعتلّ له بشيء، وأخبره عن بلقيس وقومها ما أخبره الهدهد، فقال له سليمان: قد اعتللت، {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيهِمْ}، قال: فوافقها وهي في قصرها، فألقي إليها الكتَاب فسقَط في حِجْرها أنه كتاب كريم، وأشفقتْ منه، فأخذته وألقت عليه ثيابَها، وأمرت بسريرها فأخرج، فخرجت فقعدت عليه، ونادت في قومها؛