-وكان معه- فقال: إن هذا القتيل ابنُ عمّي، فهبه لي أدفنه، فقال: لا تدفنه فليس لذلك أهلًا، والله ما قدرنا على دفن ابن عفَّان رضي الله عنه إلا سرًّا، قال: والله لتأذننّ في دفنه، أو لألحقنّ بهم ولأدَعنّك! قال معاوية: أترى أشياخ العرب قد أحالتهم أمورُهم، فأنت تسألني في دفن ابنِ عمك! ادفنه إن شئتَ أو دَعْ، فَدفَنه (١). (٥: ٢٥/ ٢٦).
١١٠٤ - قال أبو مخنف: حدثنى الحارث بن حَصيرة الأزديّ، عن أشياخ من النَّمِر من الأزد: أن مِخْنَف بن سُليم لما نُدبت الأزْد للأزْد، حمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ من الخطأ الجليل، والبلاءِ العظيم، أنّا صُرفنا إلى قومنا وصرفوا إلينا، والله ما هي إلا أيدينا نقطّعها بأيدينا، وما هي إلا أجنحتنا نجدّها بأسيافنا، فإن نحن لم نؤاسِ جماعتَنا، ولم نناصحْ صاحبنا، كفرْنا، وإن نحن فعلْنا فعزَّنا أبحْنا، ونارنا أخمَدْنا؛ فقال له جُندَب بن زهير: والله لو كنّا آباءهم وولدناهم، أو كنّا أبناءهم ووَلَدونا- ثم خرجوا من جماعتنا، وطعنوا على إمامنا، وإذًا هم الحاكمون بالجوْر على أهل ملّتنا وذمَّتنا، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عمّا هم عليه، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم.
فقال له مخنف -وكان ابن خالته: أعزَّ الله بك النيّة! والله ما عُلمت صغيرًا وكبيرًا إلّا مشؤومًا! والله ما ميَّلْنا الرأيَ قطّ أيَّهما نأتي أو أيَّهما نَدَع- في الجاهلية ولا بعد أن أسلمنا- إلّا اخترتَ أعسرهما وأنكدَهما! اللهمّ أن تُعافِيَ أحبّ إلينا من أن تَبتَلِيَ! فأعطِ كلّ امرئ منّا ما يسألك.
وقال أبو بُريدة بن عوف: اللهمّ احكم بيننا بما هو أرضى لك، يا قوم إنكم تبصرون ما يصنع الناس، وإنّ لنا الأسوة بما عليه الجماعة إن كنا على حقّ، وإن يكونوا صادقين؛ فإنّ أُسْوةً في الشرِّ - والله ما علمنا - ضرَرٌ في المحيا والممات.
وتقدّم جندَب بن زهير، فبارز رأسَ أزْد الشام فقتله الشاميّ، وقُتل من رهطه عِجْل وسَعْد ابنا عبد الله من بني ثعلبة وقُتِل مع مِخْنف من رهطه عبد الله وخالد ابنا
(١) إسناده تالف وفي متنه نكارة، ولا ندري لماذا لا يسمح سيدنا معاوية لمقاتل معه أن يدفن ابن عمه والدفن مأمور به في الدين الإسلامي الحنيف.
وهل هذه معضلة تعكر على معاوية أمره وإذا كان أمر الجيش متوقفًا على رجل يدفن ميتًا فكيف استطاع الجيشان أن يقاتلا هذا القتال الشرس كما يزعم أبو مخنف؟