منزلي، وقد أتوك هُرّابًا من الحجّاج متعوِّذين بك؛ قال: فائتِني بهم فهم آمنون لا يُوصَل إليهم أبدًا وأنا حيّ. فجاء بهم حتى أدخَلَهم عليه، فكانوا في مكان آمِن. وقال الكلبيّ دليلُهم في مَسيرِهم:
ألا جَعَل اللهُ الأخلَّاءَ كلَّهُمْ ... فداءً على ما كان لابنِ المُهلَّبِ
لَنِعْمَ الفتى يا مَعْشَر الأَزْد أَسَعفتْ ... رِكابُكُمُ بالوهب شَرْقيَّ مَنْقَبِ
عَدَلْنَ يَمينًا عنهمُ رَمْلُ عالِجٍ ... وذات يمينِ القوم أعلامُ غُرَّبِ
فإِلَّا تُصَبِّحْ بعدَ خَمْسٍ ركابُنا ... سليمانَ من أهل اللِّوى تنتأوَّبِ
تَقَرُّ قَرار الشَّمس ممّا وراءَنا ... وتذْهَبُ في داجٍ مِنَ الليلِ غَيْهَب
بقومٍ هُمُ كانوا الملوكَ هَدَيْتُهُمْ ... بظلْمَاءَ لم يُبْصَرْ بها ضَوءُ كوكب
ولا قمرٍ إلّا ضئيلًا كأَنه ... سِوارٌ حَنَاهُ صائغ السُّور مُذْهَب (١)
(٦/ ٤٤٨ - ٤٥٠).
قال هشام: فأخبرني الحسَن بن أبَان العُلَيميُّ، قال: بينا عبد الجبار بن يزيدَ بن الرّبعة يَسرِي بهم فسقطتْ عِمامةُ يزيدَ، ففقَدَها فقال: يا عبدَ الجبار، ارجعْ فاطلُبْها لنا، قال: إنّ مثِلي لا يُؤمَر بهذا، فأعاد، فأبى، فتناوَله بالسوط، فانتَسَب له، فاستحيا منه، فذلك قولُه:
ألا جعلَ اللهُ الأخلّاءَ كلَّهمْ ... فداءً على ما كان لابن المهلَّبِ
وكتب الحجّاج: إن آل المهلب خانوا مالَ الله وهرَبوا منّي ولَحِقوا بسليمان، وكان آل المهلّب قدِموا على سليمان، وقد أمِر الناس أن يحصَّلوا ليسرَّحوا إلى خراسان، لا يَرَون إلا أنّ يزيدَ توجّه إلى خُراسان ليَفتِن مَن بها، فلما بلغ الوليدَ مكانُه عند سليمان هوّن عليه بعَض ما كان في نفسه، وطار غضبًا للمال الذي ذَهَب به، وكتب سليمانُ إلى الوليد: إنّ يزيدَ بن المهلب عندي وقد آمنته، وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف، كان الحجّاج أغرَمهم ستّة آلاف ألف فأدَّوْا ثلاثَة آلاف ألف، وبقي ثلاثة آلاف ألف، فهيَ عليّ، فكتب إليه: لا والله لا أؤمّنه حتى تبعث به إليّ، فكتب إليه، لئن أنا بعثتُ به إليك لأجيئنّ معه، فأنشدكُ الله أن لا تفضَحني ولا أن تُخفِرني، فكَتَب إليه: واللهِ لئن جئتَني لا أؤمِّنه، فقال يزيد:
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.