واستنقَذوا من غنائمنا، واستباحوا بعض عسكرنا، ثم دفعونا دفعة قريبًا من خُلْم، فانتهى الناس إلى مشاتيهم، ثم جاءنا مسير خاقان إلى الجوزجان، ونحن قريبو العهد بالعدوّ، فسار بنا حتى التقينا برُستاق بينا وبين أرض الجُوزجان، فقاتلناهم وقد حازوا ذراريّ من ذراريّ المسلمين، فحملوا على ميسرتنا فكشفوهم. ثم حملت ميمنتنا عليهم، فأعطانا الله عليهم الظّفر، وتبعناهم فراسخ حتى استبحنا عسكر خاقان؛ فأُجْلِيَ عنه - وهشام متّكئ فاستوى جالسًا عند ذكره عسكر خاقان - فقال ثلاثًا: أنتم استبحتم عسكر خاقان! قال: نعم، قال: ثمّ ماذا؟ قال: دخلوا الخُتَّل وانصرفوا. قال هشام: إن أسدًا لضعيف، قال: مهلًا يا أمير المؤمنين؛ ما أسدٌ بضعيف وما أطاق فوق ما صنع، فقال له هشام: حاجتَك؟ قال: إنّ يزيد بن المهلب أخذ من أبي حيّان مئة ألف درهم بغير حق؛ فقال له هشام: لا أُكلفك شاهدًا، احلف بالله أن كما قلت، فحلفَ، فردّها عليه من بيت مال خراسان؛ وكتب إلى خالد أن يكتب إلى أسد فيها؛ فكتب إليه، فأعطاه أسدٌ مئة ألف دِرهم، فقسمها بين ورثة حيّان على كتاب الله وفرائضه. ويقال: بل كتب إلى أسد أن يستخبر عن ذلك، فإن كان ما ذكر حقًّا أعطي مئة ألف درهم.
وكان الذي جاء بفتح خُراسان إلى مَرْو عبد السلام بن الأشهب بن عتبة الحنظلي. قال: فأوفد أسد إلى خالد بن عبد الله وفدًا في هزيمته يوم سان، ومعهم طوقات خاقان ورؤوس مَنْ قُتِلوا منهم، فأوفدهم خالد إلى هشام، فأحلفهم أنهم صَدقوا، فحلفوا، فوصلهم، فقال أبو الهنديّ الأسديّ لأسد يذكر وقعة سان:
أبا مُنذِرٍ رُمْتَ الأُمُورَ فَقِسْتها ... وساءَلْتَ عَنْها كالحريصِ المُساوِم
فَما كانَ ذو رَأْيٍ من الناسِ قسْتَهُ ... برَأَيْك إلَّا مِثلَ رَأْيِ البهائِم
أَبَا مُنْذِرٍ لوْلَا مَسِيرُكَ لم يَكُن عِراق ... وَلا انْقادَتْ مُلوك الأَعاجم
ولا حَجَّ بَيْتَ اللَهِ - مذُ حُجَّ - راكبٌ ... ولا عَمَر البَطْحَاء بَعْدَ المَواسِم
فَكمْ مِنْ قَتِيل بَيْنَ سانٍ وَجَزَةٍ ... كثِيرِ الأيادي من مُلوكٍ قَماقِم
تَرَكتَ بأَرْضِ الجوْزَجانِ تزُورُهُ ... سِباعٌ وعِقْبَانٌ لِحَز الغَلاصِم
وَذي سُوقَة فيه منَ السيف خُطّة ... بهِ رَمَق حامتَ عَلَيْهِ الحَوائم