ورهط معنا، فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذّنين، فصلينا الغَداة بالنُّخيلة، ثم توجَّهنا سراعًا قِبَل نِينَوَي، فقال لي: إني أريد سابقًا مولي بشر بن عبد الملك بن بِشْر، فأسرع السير، وكنتُ إذا لقيت القوم أستطعمهم فأطعَمُ الأرغفة فأطعِمها إياه، فيأكل ونأكل معه، فانتهينا إلي نِينَوَي وقد أظلمنا، فأتينا منزل سابق، فدعوتُ علي الباب، فخرج إلينا فقلت له: أما أنا فآتي الفيّوم، فأكون به؛ فإذا بدا لك أن ترسل إليّ فأرسل، قال: ثم إني مضيت وخلّفته عند سابق؛ فذلك آخر عهدي به.
قال: ثم إن يوسف بن عمر بعث أهل الشأم يطلبون الجرحَي في دور أهل الكوفة، فكانوا يخرجون النساء إلي صحن الدار، ويطوفون البيت يلتمسون الجرحَي.
قال: ثم دلّ غلام زيد بن علي السنديُّ يوم الجمعة علي زيد، فبعث الحكم بن الصَّلت العباسَ بن سعيد المزنيّ وابن الحكم بن الصَّلت، فانطلقا فاستخرجاه، فكرِه العباس أن يغلب عليه ابن الحكم بن الصّلت، فتركه وسرّح بشيرًا إلى يوسف بن عمر غداة يوم الجمعة برأس زيد بن عليّ مع الحجاج بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عَقيل، فقال أبو الجُويرية مولي جُهَينة:
قُلْ للذينَ انتهكوا المحارمْ ... ورفعوا الشَّمْعَ بصَحْرا مالِمْ
كيف وَجَدْتُمْ وقعةَ الأَكارمْ ... يا يوسفَ بنَ الحكمِ بن القاسم!
قال: ولما أتي يوسفَ بن عمر البشيرُ، أمر يزيد فصلب بالكُناسة، هو ونصر بن خُزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاريّ وزياد النهديّ؛ وكان يوسف قد نادي: مَن جاء برأسٍ فله خمسمئة درهم، فجاء محمد بن عبّاد برأس نصر بن خُزيمة، فأمر له يوسف بن عمر بألف درهم، وجاء الأحول مولي الأشعريّين برأس معاوية بن إسحاق؛ فقال: أنت قتلتَه؟ فقال: أصلح الله الأمير! ليس أنا قتلته؛ ولكني رأيتُه فعرفته، فقال: أعطوه سبعمئة درهم، ولم يمنعه أن يتمّ له ألفًا، إلّا أنه زَعم أنه لم يقتله.
وقد قيل: إنّ يوسف بن عمر لم يعلم بأمر زيد ورجوعه من الطريق إلي الكوفة بعدما شخص إلّا بإعلام هشام بن عبد الملك إياه. وذلك أن رجلًا من بني أمية كتب -فيما ذكر- إلى هشام، يذكر له أمر زيدٍ، فكتب هشام إلى يوسف يشتمه ويجهّله، ويقول: إنك لغافل، وزيد غارز ذَنبه بالكوفة يبايَع له فألححْ في