الإثنين، وقف عيسى على ذُباب، ثم دعا مولى لعبد الله بن معاوية كان معه؛ وكان على مجفّفته، قال: خذ عشرة من أصحابك؛ أصحاب التجافيف؛ فجاء بهم، فقال لنا: ليقم معه عشرة منكم يا آل أبي طالب، قال: فقمنا معه، ومعنا ابنا محمد بن عمر بن عليّ: عبد الله وعمر، ومحمد بن عبد الله بن عَقيل، والقاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، وعبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر؛ في عشرة منّا، فقال: انطلقوا إلى القوم، فادعوهم وأعطوهم أمانًا؛ وبقيَ أمان الله، قال: فخرجنا حتى جئنا سوق الحطّابين؛ فدعوْناهم فسبُّونا ورشقونا بالنَّبل، وقالوا: هذا ابن رسول الله معنا ونحن معه؛ فكلمهم القاسم بن الحسن بن زيد، فقال: وأنا ابنُ رسول الله؛ وأكثر من ترون بنو رسول الله؛ ونحن ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وحقْن دمائكم والأمان لكم؛ فجعلوا يسبُّوننا ويرشقوننا بالنبل، فقال القاسم لغلامه: القَطْ هذه النّبل، فلقطها فأخذها قاسم بيده، ثم دخل بها إلى عيسى، فقال: ما تنتظر! انظر ما صنعوا بنا، فأرسل عيسى بن حميد قَحْطبة في مئة.
قال: حدّثني أزهر بن سعيد بن نافع، قال: حدّثني أخواي عثمان ومحمد ابنا سعيد - وكانا مع محمد - قالا: وقف القاسم بن الحسن ورجل معه من آل أبي طالب على رأس ثنيّة الوداع، فدعَوْا محمدًا إلى الأمان، فسبّهما فرجعا، وأقبل عيسى وقد فرّق القواد فجعل هزارمرد عند حمّام بن أبي الصعْبة، وكثير بن حُصَين عند دار ابن أفلَح التي ببقيع الغرْقد، ومحمد بن أبي العباس على باب بني سلمة، وفرّق سائر القوّاد على أنقاب المدينة، وصار عيسى في أصحابه على رأس الثنيّة، فرَموا بالنشاب والمقاليع ساعة.
وحدثني أزهر، قال: جعل محمد ستور المسجد دراريع لأصحابه.
قال: وحدّثني عبد الله بن إسحاق بن القاسم، قال: حدّثني عمر؛ شيخ من الأنصار، قال: جعل محمد ظلال المسجد خَفاتين لأصحابه، فأتاه رجلان من جُهينة، فأعطى أحدهما خَفْتانًا ولم يعط الآخر، فقاتل صاحب الخَفْتان، ولم يقاتل الآخر معه، فلما حضرت الحرب أصابت صاحب الخَفْتان نُشابَة، فقتلته، فقال صاحبه:
يا ربِّ لا تجعَلني كمَنْ خانْ ... وباع باقي عَيْشِهِ بِخَفْتانْ