أَبْلغْ بني هاشمٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... فاستَيْقِظُوا إنَّ هذا فِعْل نُوّام
تعدو الذِّئاب على من لا كلاب له ... وتتَّقي مَرْبِضَ المسْتَنْفِر الحامي
وذكر عن جعفر بن ربيعة العامريّ عن الحجاج بن قتيبة بن مسلم، قال: دخلت على المنصور أيام حرْب محمد وإبراهيم، وقد جاءه فتق البَصْرة والأهواز وفارس وواسط والمدائن والسواد، وهو ينكت الأرض بمخْصَرِته ويتمثّل:
ونصبتُ نفسي للرِّماح دَريّةً ... إن الرئيس لمثل ذاك فعول
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، أدام إعزازك ونصرك على عدوّك! أنت كما قال الأعشى:
وإنْ حَرْبهُمْ أُوقِدَتْ بينهمْ ... فحرَّت لهم بعد إبرادِها
وجدتَ صَبُورًا على حَرِّها ... وكرِّ الحروب وترْدادها
فقال: يا حجاج، إنّ إبراهيم قد عرف وُعورة جانبي وصعوبة ناحيتي، وخشونة قرني؛ وإنما جرّأه على المسير إليّ من البصرة اجتماعُ هذه الكُور المُطلَّة على عسكر أمير المؤمنين وأهل السواد معه على الخلاف والمعصية، وقد رميت كلّ كورة بحجَرها وكلّ ناحية بسهمها، ووجّهت إليهم الشهْم النجْد الميمون المظفّر عيسى بن موسى، في كثرة من العدد والعُدّة، واستعنت بالله عليه، واستكفيته إياه؛ فإنه لا حول ولا قوة لأمير المؤمنين إلا به.
قال جعفر بن ربيعة: قال الحجاج بن قتيبة: لقد دخلتُ على أمير المؤمنين المنصور في ذلك اليوم مسلِّمًا، وما أظنّه يقدر على ردّ السلام لتتابع الفُتوق والخروق عليه والعساكر المحيطة به، ولمئة ألف سيف كامنة له بالكوفة بإزاء عسكره، ينتظرون به صَيْحة واحدة فيثبون؛ فوجدته صقْرًا أحوزيًّا مشمّرًا، قد قام إلى ما نزل به من النوائب يعرُكها ويمرُسها، فقام بها ولم تقعد به نفسه؛ وإنه لكما قال الأوّل:
نفسُ عِصامٍ سوَّدَتْ عصاما ... وعلَّمتْه الكرَّ والإِقْدَاما (١)
وصيّرتْهُ مَلِكًا هُمَامَا
وذكر أبو عبيدة أنه كان عند يونس الجَرْميّ، وقد وجَّه محمد بن عبد الله أخاه
(١) مما نسب إلى النابغة الذبياني؛ العقد الثمين ١٧٥.