قال: وحَجّ عبدُ الملك بعدَ ذلك، فدخلتْ عليه حُبَّى، فقالت: أقتلتَ أخاك مُصعَبًا؟ فقال:
من يذُقِ الحرْبَ يَجِد طَعْمَها ... مُرًّا وتَتْرُكهُ بجعجاعِ
وقال ابن قيس الرُّقيَّات:
لقد أَوْرَثَ المِصريْنِ خِزْيًا وذِلةً ... قتيلٌ بدَيْر الجاثَلِيقِ مُقيمُ
فما نصحتْ لله بكرُ بنُ وائلٍ ... ولا صَبرتْ عندَ اللِّقاء تميمُ
ولو كان بكْرِيًّا تَعَطَّفَ حَوْلَهُ ... كتائبُ يَغلِي حَمْيُها ويَدُومُ
ولكنَّه ضاعَ الذمامُ ولم يكن .... بها مُضَرِيٌّ يَوْمَ ذاكَ كرِيم
جَزى الله كُوفيًّا هناك ملامَة ... وبَصْرِيَّهم إنَّ المُليمَ مُلِيم
وإنَّ بني العَلَّاتِ أخلَوْا ظُهورَنا ... ونحن صرِيح بيْنَهُمْ وصميمُ
فإن نَفْنَ لا يبْقَوْا ولا يكُ بعْدَنا ... لِذِى حُرْمَةٍ في المسلمين حَريمُ
(٦/ ١٦١ - ١٦٢)
ذكر الخبر عن دخول عبد الملك بن مروان الكوفة
ولمَّا أتى عبدُ الملك الكوفةَ - فيما ذكر - نزل النُّخَيلة، ثمّ دعا النَّاس إلى البيعة، فجاءت قُضاعةُ، فرأى قِلَّة، فقال: يا معشر قُضاعة، كيف سَلِمتم من من مُضَرَ مع قِلَّتكم! فقال: عبدُ الله بنُ يَعلى النَّهديّ: نحن أعزّ منهم وأمنَع، قال: بِمَن؟ قال: بمن معك منَّا يا أميرَ المؤمنين.
ثمّ جاءت مَذْحج وهَمْدان فقال: ما أرى لأحد مع هؤلاء بالكوفة شيئًا، ثمّ جاءت جُعفِيٌّ، فلمَّا نظر إليهم عبدُ الملك قال: يا معشر جعفيّ، اشتَملْتم على ابن أختكم، وواريتموه؛ يعني يحيَى بنَ سعيد بن العاص - قالوا: نعم، قال: فهاتوه؛ قالوا: وهو آمنٌ؟ قال: وتشترطون أيضًا! فقال رجل منهم: إنا والله ما نشترط جَهْلًا بحقِّك، ولكنَّا تتسحَّب عليه تَسَحُّب الولد على والِده، فقال: أما والله لَنعِمَ الحيّ أنتم؛ إن كنتم لَفُرسانًا في الجاهليَّة والإسلام، هو آمِن، فجاؤوا به وكان يُكنى أبا أيوب، فلمَّا نظر إليه عبدُ الملك قال أبا قبيح، بأيّ وجهٍ تَنظرُ إلى ربِّك وقد خلعْتني! قال: بالوجه الَّذي خلقه، فبايع ثمّ ولى فنظر عبدُ الملك في قَفاه فقال: لله دَرّه! أيَّ ابن زَوْمَلَة هو! يعني غَريبة. (٦/ ١٦٢ - ١٦٣).