فدعاهما فأخبرهما، فقالا: هل تدري ما تقول! إنا قد نَقِمْنا عليك ما هو أيسرُ من هذا؛ أفنكتب هذا عنك، ونخبره الملك! قال: نعم، أخبراه ذلك عنّي، وقولا له: إنَّ ديني وسلطاني سيبلغُ ما بلغ ملك كسرى، وينتهي إلى منتهى الخُفّ والحافر؛ وقولا له: إنك إن أسلمْتَ أعطيتُك ما تحت يَدَيك؛ وملّكتُك على قومك من الأبناء؛ ثمَّ أعطى خُرّ خسره مِنْطقة فيها ذهب وفضة، كان أهداها له بعض الملوك.
فخرجا من عنده حتى قدما على باذان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام مَلك، وإنّي لأرى الرّجل نبيًّا كما يقول؛ ولننظرنّ ما قد قال؛ فلئن كان هذا حقًّا ما فيه كلامٌ؛ إنه لنبي مُرْسَلٌ؛ وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا.
فلم ينشب باذان أن قدم عليه كتابُ شيرويه؛ أما بعدُ فإنّي قد قتلت كسرى، ولم أقتله إلا غضبًا لفارس لما كان استحلّ من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم؛ فإذا جاءك كتابي هذا فخذْ لي الطاعة ممَّن قبلَك؛ وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تُهِجْه حتى يأتيَك أمري فيه.
فلمّا انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: إنَّ هذا الرجل لرسولٌ. فأسلم وأسلمت الأبناءُ معه من فارس مَنْ كان منهم باليمن؛ فكانت حِمْيَر تقول لخرّ خُسره: ذو المعْجزَة، للمنطقة التي أعطاهُ إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمنطقة بلسان حمير المعجزَة - فبَنُوه اليوم ينسبون إليها خُرّ خُسره ذو المعْجزَة.
وقد قال بابويه لباذان: ما كلّمت رجلًا قطّ أهيبَ عندي منه، فقال له باذان: هل معه شُرَطٌ؟ قال: لا (١). (٢: ٦٥٥/ ٦٥٦ / ٦٥٧).
(١) أخرج البخاري في صحيحه (كتاب المغازي / ح ٤٤٢٤) من حديث عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه مزقه، فحسبت ابن المسيّب قال: فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق.
وعن سعيد بن المسيّب - رضي الله عنه - قال: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر والنجاشي كتابًا واحدًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى وقيصر والنجاشي أما بعد: {تَعَالوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا =