من الحكم فأعفى فَحدث حِين جَاءَ عَزله وأملى مجَالِس وَرجع إِلَى بَغْدَاد وَكَانَ ثِقَة ثبتا
قلت كَانَ رَسُوله إِلَى بَغْدَاد بالاستعفاء أَبُو بكر بن الْحداد وَرجع إِلَيْهِ وَلم يعف لِأَن الْوَزير إِذْ ذَاك أَبى أَن يعفيه فَمَا عَاد ابْن الْحداد إِلَى مصر إِلَّا وَقد ولى وَزِير غير ذَلِك الْوَزير وَهُوَ ابْن الْفُرَات وَكَانَ يكره أَبَا عبيد فَصَرفهُ بعد أَن كَانَ لَهُ فى قَضَاء مصر أَزِيد من ثمانى عشرَة سنة
وَكَانَ مهيبا مصمما مضبوط الْكَلِمَات قليلها وافر الْحُرْمَة لم يره أحد يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا يلبس وَلَا يغسل يَده إِنَّمَا يفعل ذَلِك فى خلْوَة وَهُوَ مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَلَا رَآهُ أحد يمتخط وَلَا يبصق وَلَا يحك جِسْمه وَلَا يمسح وَجهه وَكَانَ عَلَيْهِ من الْوَقار والهيبة والحشمة مَا يتذاكره أهل بَلَده
وَقَالَ ابْن زولاق كَانَ عَالما بالاختلاف والمعانى وَالْقِيَاس عَارِفًا بِعلم الْقُرْآن والْحَدِيث فصيحا عَاقِلا عفيفا قوالا بِالْحَقِّ سَمحا منقبضا وَكَانَ رزقه فى الشَّهْر مائَة وَعشْرين دِينَارا وَكَانَ يُورث ذوى الْأَحْكَام وَولى قَضَاء وَاسِط قبل مصر وَكَانَ أَمِير مصر يأتى إِلَى دَاره
قَالَ وَهُوَ آخر قَاض ركب إِلَيْهِ الْأُمَرَاء بِمصْر وَلم يكن شكل أَبى عبيد بهيا فَكَانَ من رَآهُ رُبمَا استزراه حَتَّى يسمع كَلَامه وفصاحة لِسَانه فَيَقَع من قلبه إِذْ ذَاك أعظم موقع وَكَانَ ابْن الْحداد كثير المخالطة لَهُ والتعظيم لَهُ وَله بِهِ خُصُوصِيَّة
قَالَ ابْن الْحداد قدم أَبُو عبيد إِلَى مصر فرأيته فى الطَّرِيق فى جملَة النظارة فَمَا أعجبنى زيه وَلَا منظره ثمَّ دخل شهر رَمَضَان وَكُنَّا عِنْد أَبى الْقَاسِم بشر بن نصر الْفَقِيه غُلَام عرق فَدخل مَنْصُور بن إِسْمَاعِيل الْفَقِيه مهنئا لَهُ بِشَهْر رَمَضَان فَقيل لَهُ من أَيْن