وَالتَّحْقِيق أَن هُنَا احتمالات أَرْبَعَة
أَحدهَا أَن تجْعَل الْأَعْمَال من مُسَمّى الْإِيمَان دَاخِلَة فِي مَفْهُومه دُخُول الْأَجْزَاء المقومة حَتَّى يلْزم من عدمهَا عَدمه وَهَذَا هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَلم يقل بِهِ السّلف
وَالثَّانِي أَن تجْعَل أَجزَاء دَاخِلَة فِي مَفْهُومه لَكِن لَا يلْزم من عدمهَا فَإِن الْأَجْزَاء عَلَى قسمَيْنِ مِنْهَا مَا لَا يلْزم من عَدمه عدم الذَّات كالشعر وَالْيَد وَالرجل للْإنْسَان وكالأغصان للشجرة فاسم الشَّجَرَة صَادِق عَلَى الأَصْل وَحده وَعَلِيهِ مَعَ الأغصان وَلَا يَزُول بِزَوَال الأغصان وَهَذَا هُوَ الَّذِي يدل لَهُ كَلَام السّلف
وَمن هَذَا قِيلَ شعب الْإِيمَان جعلت الْأَعْمَال للْإيمَان كالشعب للشجرة وَقد مثل اللَّه تَعَالَى الْكَلِمَة الطّيبَة بِالشَّجَرَةِ الطّيبَة وَهُوَ أصدق شَاهد لذَلِك
الثَّالِث أَن تجْعَل آثارا خَارِجَة عَن الْإِيمَان لَكِنَّهَا بِسَبَبِهِ فَإِذا أطلق عَلَيْهَا فبالمجاز من بَاب إِطْلَاق اسْم السَّبَب عَلَى الْمُسَبّب وَهَذَا مَذْهَب الْخلف الَّذِي نحاول تَقْرِيره
الرَّابِع أَن يُقَال إِنَّهَا خَارِجَة بِالْكُلِّيَّةِ لَا يُطلق عَلَيْهَا حَقِيقَة وَلَا مجَازًا وَهَذَا بَاطِل لَا يُمكن القَوْل بِهِ
قلت هَذَا مَا كُنَّا نَسْمَعهُ من الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه اللَّه تَعَالَى
وَأَقُول فِي إِثْبَات جُزْء يدْخل فِي الْمُسَمّى وَلَا يلْزم من نَفْيه نفي الْمُسَمّى صعوبة وَكَانَ الشَّيْخ الإِمَام يخْتَار الِاحْتِمَال الثَّانِي الَّذِي هُوَ ظَاهر كَلَام السّلف
وَإِلَى مَذْهَب السّلف ذهب الإِمَام الشَّافِعِي وَمَالك وأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ وَطَوَائِف من أَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَمن الأشاعرة الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس القلانسي وَمن محققيهم الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَهَؤُلَاء يصرحون