وقلبني وفوعني حَتَّى لم يدع فِي باطني شَيْئا إِلَّا أخرجه وَهَذِه اللجلجة من بقايا تِلْكَ الْآثَار
فَانْظُر إِلَى هَذَا الْأَمر العجيب وَإِلَى هَذَا الرجل الْغَرِيب الَّذِي يُحَاسب نَفسه على يسير جرى فِي زمن الصِّبَا الَّذِي لَا تَكْلِيف فِيهِ وَهَذَا يدنو مِمَّا حُكيَ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
ثمَّ أَخذ الإِمَام فِي الْفِقْه على وَالِده وَكَانَ وَالِده يعجب بِهِ وَيسر لما يرى فِيهِ من مخايل النجابة وأمارات الْفَلاح
وجد واجتهد فِي الْمَذْهَب وَالْخلاف والأصولين وَغَيرهَا وشاع اسْمه واشتهر فِي صباه وَضربت باسمه الْأَمْثَال حَتَّى صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ وأوقف عُلَمَاء الْمشرق وَالْمغْرب معترفين بِالْعَجزِ بَين يَدَيْهِ وسلك طَرِيق الْبَحْث وَالنَّظَر وَالتَّحْقِيق بِحَيْثُ أربى على كثير من الْمُتَقَدِّمين وأنسى تَصَرُّفَات الْأَوَّلين وسعى فِي دين الله سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم الدّين
وَلَا يشك ذُو خبْرَة أَنه كَانَ أعلم أهل الأَرْض بالْكلَام وَالْأُصُول وَالْفِقْه وَأَكْثَرهم تَحْقِيقا بل الْكل من بحره يَغْتَرِفُونَ وَأَن الْوُجُود مَا أخرج بعده لَهُ نظيرا
وَأما التَّفْضِيل الَّذِي كَانَ بَينه وَبَين من تقدمه فقد طَال الشَّرْح فِيهِ فِي عصره وَلَا نرى للبحث عَن ذَلِك معنى
ثمَّ توفّي وَالِده وسنه نَحْو الْعشْرين وَهُوَ مَعَ ذَلِك من الْأَئِمَّة الْمُحَقِّقين فَأقْعدَ مَكَانَهُ فِي التدريس فَكَانَ يدرس ثمَّ يذهب بعد ذَلِك إِلَى مدرسة الْبَيْهَقِيّ حَتَّى حصل الْأُصُول عِنْد أستاذه أبي الْقَاسِم الإسكاف الإسفرايني وَكَانَ يواظب على مَجْلِسه