ثمَّ لما أَخذ صَلَاح الدّين الشَّام عَاد إِلَيْهَا ومدحه وَلزِمَ ركابه إِلَى أَن اسْتَكْتَبَهُ وَصَارَ يضاهي الوزراء ومرتبته تضاهي مرتبَة القَاضِي الْفَاضِل وَإِذا انْقَطع الْفَاضِل بشغل يعرض لَازم هُوَ السُّلْطَان
وَلم يزل عِنْد السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي أعز جَانب وأنعم نعْمَة وَالدُّنْيَا تخدمه والأرزاق يتَصَرَّف فِيهَا لِسَانه وقلمه إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان صَلَاح الدّين وبارت سوق الْعلم وَالدّين بوفاته استوطن دمشق وَلزِمَ مدرسته الْعمادِيَّة
وَمن تصانيفه الخريدة والبرق الشَّامي وَالْفَتْح الْقُدسِي وَغير ذَلِك
قَالَ ابْن النجار وَكَانَ من الْعلمَاء المتقنين فقها وَخِلَافًا وأصولا ونحوا ولغة وَمَعْرِفَة بالتواريخ وَأَيَّام النَّاس
قَالَ وَكَانَ من محَاسِن الزَّمَان لم تَرَ الْعُيُون مثله
ثمَّ وَصفه بالأدب وَصفا كثيرا وَهُوَ فِيهِ كَمَا قَالَ وأزيد
وَأكْثر مَا يعاب عَلَيْهِ كَثْرَة اسْتِعْمَاله للجناس لَا سِيمَا فِي النثر بِحَيْثُ تضيق بِهِ الأنفاس ويكاد لَا يتْرك للفظة الْوَاحِدَة مجالا وَإِنَّمَا يحسن الجناس إِذا خف على الْقلب وَاللِّسَان وَلم يَتَعَدَّ الْمَرَّتَيْنِ
وَقد ذكره صاحبنا شيخ الْأَدَب القَاضِي صَلَاح الدّين خَلِيل بن أَبِيك الصَّفَدِي رَحمَه الله وَقَالَ بعد أَن ذكر قدرته على كل من النّظم والنثر أرى أَن شعره ألطف من نثره لإكثار الجناس فِي نثره وَأما النّظم فَكَانَ الْوَزْن فِيهِ يضايقه فَلَا يَدعه يتَمَكَّن من الجناس