قَالَ الْمُشَاهدَة دوَام تجلى الذَّات والتجلى قد يكون مَعَه مُشَاهدَة وَهُوَ مَا إِذا دَامَ وَقد لَا يكون انْتهى
وَأَقُول إِذا تَبرأ الْقَوْم من تَفْسِير التجلى بِمَا لَا يُمكن وَلَا يجوز وصف الرب تَعَالَى بِهِ فَلَا لوم عَلَيْهِم بعد ذَلِك غير أَنهم مصرحون بِأَنَّهُ غير الْعلم والعرفان
حِكَايَة ثَانِيَة يبْحَث فِيهَا عَن الكرامات
قَالَ أَبُو على الروذبارى سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الرقى يَقُول كُنَّا مَعَ أَبى تُرَاب النخشبى فى طَرِيق مَكَّة فَعدل عَن الطَّرِيق إِلَى نَاحيَة فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه أَنا عطشان فَضرب بِرجلِهِ فَإِذا عين من مَاء زلال فَقَالَ الْفَتى أحب أَن أشربه فى قدح فَضرب بِيَدِهِ الأَرْض فَنَاوَلَهُ قدحا من زجاج أَبيض كأحسن مَا رَأَيْت فَشرب وسقانى وَمَا زَالَ الْقدح مَعنا إِلَى مَكَّة
فَقَالَ لى أَبُو تُرَاب يَوْمًا مَا يَقُول أَصْحَابك فى هَذِه الْأُمُور الَّتِى يكرم الله بهَا عباده فَقلت مَا رَأَيْت أحدا إِلَّا وَهُوَ مُؤمن بهَا فَقَالَ من لايؤمن بهَا فَلَقَد كفر إِنَّمَا سَأَلتك من طَرِيق الْأَحْوَال فَقلت مَا أعرف لَهُم قولا فِيهِ فَقَالَ بلَى قد زعم أَصْحَابك أَنَّهَا خدع من الْحق وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك إِنَّمَا الخدع فى حَال السّكُون إِلَيْهَا فَأَما من لم يقترح ذَلِك فَتلك مرتبَة الربانيين
قلت قد اشْتَمَل كَلَام أَبى تُرَاب هَذَا على فصلين مهمين
أَحدهمَا أَن الكرامات والمكاشفات لسيت خدعا إِلَّا لمن يقف عِنْدهَا ويجعلها شوقه ومقصوده وَلَا شكّ فى هَذَا وَقد بَالغ قوم فى تعظيمها بِحَيْثُ سلبوا بهَا الْمَوَاهِب وَبَالغ آخَرُونَ فى امتهانها بِحَيْثُ لم يعدوها شَيْئا وَالْحق مَا ذكره تُرَاب أَبُو أَيُّوب من أَن السّكُون إِلَيْهَا نقص فَمن الْوَاضِح الجلى الذى لَا يُنكره عَارِف أَن الْعَارِف لَا يقف عِنْدهَا وَإِنَّمَا مَطْلُوبه وَرَاءَهَا وهى تقع فى طَرِيقه وَلَيْسَ للْوَاقِع فِي الطَّرِيق من الطَّرِيق